للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سُورَة الشورى (٤٢) : آيَة ٥١]

وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (٥١)

عَطَفَ عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ حِكَايَةِ تُرَّهَاتِهِمْ عَطْفَ الْقِصَّةِ عَلَى الْقِصَّةِ وَهُوَ عَوْدٌ إِلَى إِبْطَالِ شُبَهِ الْمُشْرِكِينَ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [الشورى: ٣] ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ [الشورى:

١٣] ، وَقَدْ أَشَرْنَا إِلَى تَفْصِيلِ ذَلِكَ فِيمَا تَقَدَّمَ، وَيَزِيدُهُ وُضُوحًا قَوْلُهُ عَقِبَهُ وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا [الشورى: ٥٢] . وَهَذِهِ الْآيَةُ تُبْطِلُ الشُّبْهَةَ الثَّانِيَةَ فِيمَا عَدَدْنَاهُ مِنْ شُبُهَاتِهِمْ فِي كَوْنِ الْقُرْآنِ وَحْيًا مِنَ اللَّهِ إِلَى مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ زَعَمُوا أَن مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ كَانَ

مُرْسَلًا مِنَ اللَّهِ لَكَانَتْ مَعَهُ مَلَائِكَةٌ تُصَدِّقُ قَوْلَهُ أَوْ لَأُنْزِلَ عَلَيْهِ كِتَابٌ جَاهِزٌ مِنَ السَّمَاءِ يُشَاهِدُونَ نُزُولَهُ قَالَ تَعَالَى: وَقالُوا مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً [الْفرْقَان: ٧] وَقَالَ وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً إِلَى أَنْ قَالَ: وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ [الْإِسْرَاء: ٩٠- ٩٣] .

وَإِذْ قَدْ كَانَ أَهَمَّ غَرَضِ هَذِهِ السُّورَةِ إِثْبَاتَ كَوْنِ الْقُرْآنِ وَحْيًا مِنَ اللَّهِ إِلَى مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا أُوحِيَ مِنْ قَبْلِهِ لِلرُّسُلِ كَانَ الْعَوْدُ إِلَى ذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ رَدِّ الْعَجُزِ عَلَى الصَّدْرِ. فَبَيَّنَ اللَّهُ لِلْمُكَذِّبِينَ أَنَّ سُنَّةَ اللَّهِ فِي خِطَابِ رُسُلِهِ لَا تَعْدُو ثَلَاثَةَ أَنْحَاءٍ مِنَ الْخِطَابِ، مِنْهَا مَا جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِدَعًا مِمَّا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ الْأَوَّلُونَ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُخَاطِبَ رُسُلَهُ عَلَى الْأَنْحَاءِ الَّتِي اقْتَرَحَهَا الْمُشْرِكُونَ على النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجِيءَ بِصِيغَةِ حَصْرٍ مُفْتَتَحَةٍ بِصِيغَةِ الْجُحُودِ الْمُفِيدَةِ مُبَالَغَةَ النَّفْيِ وَهِيَ وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ أَيْ لَمْ يَتَهَيَّأْ لِأَحَدٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ يَأْتِيَهُ خِطَابٌ مِنَ اللَّهِ بِنَوْعٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ.

وَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى انْتِفَاءِ أَنْ يَكُونَ إِبْلَاغُ مُرَادِ اللَّهِ تَعَالَى لِأُمَمِ الرُّسُلِ بِغَيْرِ أَحَدِ هَذِهِ