لِفِعْلِ تَعْقِلُونَ بِمَفْعُولٍ وَلَا بِمَجْرُورٍ لِأَنَّهُ نُزِّلَ مَنْزِلَةَ اللَّازِمِ، أَيْ رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ لَكُمْ عُقُولٌ فَهُوَ مُرَادٌ لِلَّهِ مِنْ ذَلِكَ الْخَلْقِ فَمِنْ حِكْمَتِهِ أَن جعل ذَلِك الْخَلْقَ الْعَجِيبَ عِلَّةً لأمور كَثِيرَة.
[٦٨]
[سُورَة غَافِر (٤٠) : آيَة ٦٨]
هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٦٨)
اسْتِئْنَافٌ خَامِسٌ وَمُنَاسَبَةُ مَوْقِعِهِ مِنْ قَوْلِهِ: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ إِلَى قَوْلِهِ:
ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا إِلَى وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [غَافِر: ٦٧] فَإِنَّ مِنْ أَوَّلِ مَا يُرْجَى أَنْ يَعْقِلُوهُ هُوَ ذَلِكَ التَّصَرُّفُ الْبَدِيعُ بِخَلْقِ الْحَيَاةِ فِي الْإِنْسَانِ عِنْدَ تَكْوِينِهِ بَعْدَ أَنْ كَانَ جُثَّةً لَا حَيَاةَ فِيهَا، وَخَلْقِ الْمَوْتِ فِيهِ عِنْدَ انْتِهَاءِ أَجَلِهِ بَعْدَ أَنْ كَانَ حَيًّا مُتَصَرِّفًا بِقُوَّتِهِ وَتَدْبِيرِهِ.
فَمَعْنَى يُحْيِي يُوجِدُ الْمَخْلُوقَ حَيًّا. وَمَعْنَى يُمِيتُ أَنَّهُ يُعْدِمُ الْحَيَاةَ عَنِ الَّذِي كَانَ حَيًّا، وَهَذَا هُوَ مَحَلُّ الْعِبْرَةِ. وَأَمَّا إِمْكَانُ الْإِحْيَاءِ بَعْدَ الْإِمَاتَةِ فَمَدْلُولٌ بِدَلَالَةِ قِيَاسِ التَّمْثِيلِ الْعَقْلِيِّ وَلَيْسَ هُوَ صَرِيحَ الْآيَةِ. وَالْمَقْصُودُ الِامْتِنَانُ بِالْحَيَاةِ تَبَعًا لِقَوْلِهِ قَبْلَ هَذَا:
هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ إِلَى قَوْلِهِ: ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا [غَافِر: ٦٧] .
وَفِي قَوْلِهِ: يُحْيِي وَيُمِيتُ الْمُحَسِّنُ الْبَدِيعِيُّ الْمُسَمَّى الطِّبَاقَ. وَفُرِّعَ عَلَى هَذَا الْخَبَرِ إِخْبَارٌ بِأَنَّهُ إِذَا أَرَادَ أَمْرًا مِنْ أُمُورِ التَّكْوِينِ مِنْ إِحْيَاءٍ أَوْ إِمَاتَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا فَإِنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى فِعْلِهِ دُونَ تَرَدُّدٍ وَلَا مُعَالَجَةٍ، بَلْ بِمُجَرَّدِ تَعَلُّقِ قُدْرَتِهِ بِالْمَقْدُورِ وَذَلِكَ التَّعَلُّقُ هُوَ تَوْجِيهُ قُدْرَتِهِ لِلْإِيجَادِ أَوِ الْإِعْدَامِ. فَالْفَاءُ مِنْ قَوْلِهِ: فَإِذا قَضى فَاءُ تَفْرِيعِ الْإِخْبَارِ بِمَا بَعْدَهَا عَلَى الْإِخْبَارِ بِمَا قَبْلَهَا.
وَقَوْلُ: كُنْ تَمْثِيلٌ لِتَعَلُّقِ الْقُدْرَةِ بِالْمَقْدُورِ بِلَا تَأْخِيرٍ وَلَا عُدَّةٍ وَلَا مُعَانَاةٍ وَعِلَاجٍ بِحَال من يرد إِذْنَ غَيْرِهِ بِعَمَلٍ فَلَا يَزِيدُ عَلَى أَنْ يُوَجِّهَ إِلَيْهِ أَمْرًا فَإِنَّ صُدُورَ الْقَوْلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute