وَعَطْفُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ عَلَى الَّتِي قَبْلَهَا، وَاعْتِبَارُهُمَا سَوَاءً فِي الْإِخْبَارِ عَنِ الْفَرِيقِ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ، لِقَصْدِ الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ ضَلَالَهُمْ حَاصِلٌ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْخَبَرَيْنِ، فَوِلَايَةُ الشَّيَاطِينِ ضَلَالَةٌ، وَحُسْبَانُهُمْ ضَلَالَهُمْ هُدًى ضَلَالَةٌ أَيْضًا، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ عَنْ خَطَأٍ أَوْ عَنْ عِنَادٍ، إِذْ لَا عُذْرَ لِلضَّالِّ فِي ضَلَالِهِ بِالْخَطَأِ، لِأَنَّ اللَّهَ نَصَبَ الْأَدِلَّةَ عَلَى الْحَقِّ وَعَلَى التَّمْيِيزِ بَيْنَ الحقّ وَالْبَاطِل.
[٣١]
[سُورَة الْأَعْرَاف (٧) : آيَة ٣١]
يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (٣١)
إِعَادَةُ النِّدَاءِ فِي صَدْرِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ لِلِاهْتِمَامِ، وَتَعْرِيفُ الْمُنَادَى بِطَرِيقِ الْإِضَافَةِ بِوَصْفِ كَوْنِهِمْ بَنِي آدَمَ مُتَابَعَةٌ لِلْخِطَابِ الْمُتَقَدِّمِ فِي قَوْلِهِ: يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً [الْأَعْرَاف: ٢٦] .
وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ تَتَنَزَّلُ، مِنَ الَّتِي بَعْدَهَا، وَهِيَ قَوْلُهُ: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ [الْأَعْرَاف:
٣٢] مَنْزِلَةَ النَّتِيجَةِ مِنَ الْجَدَلِ، فَقُدِّمَتْ عَلَى الْجَدَلِ فَصَارَتْ غَرَضًا بِمَنْزِلَةِ دَعْوَى وَجُعِلَ الْجَدَلُ حُجَّةً عَلَى الدَّعْوَى، وَذَلِكَ طَرِيقٌ مِنْ طُرُقِ الْإِنْشَاءِ فِي تَرْتِيبِ الْمَعَانِي وَنَتَائِجِهَا.
فَالْمَقْصِدُ مِنْ قَوْلِهِ: خُذُوا زِينَتَكُمْ إِبْطَالُ مَا زَعَمَهُ الْمُشْرِكُونَ مِنْ لُزُومِ التَّعَرِّي فِي الْحَجِّ فِي أَحْوَالٍ خَاصَّةٍ، وَعِنْدَ مَسَاجِدَ مُعَيَّنَةٍ، فَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
كَانَتِ الْمَرْأَةُ تَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَهِيَ عُرْيَانَةٌ وَتَقُولُ مَنْ يُعِيرُنِي تِطْوَافًا تَجْعَلُهُ عَلَى فَرْجِهَا وَتَقُولُ:
الْيَوْمَ يَبْدُو بَعْضُهُ أَوْ كُلُّهُ ... وَمَا بَدَا مِنْهُ فَلَا أُحِلُّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute