وَقَالَ الْمُعْتَزِلَةُ وَالْخَوَارِجُ: هُوَ فِي النَّارِ خَالِدًا بِالْوُجُوبِ الْعَقْلِيِّ. وَقَالَ الْمُرْجِئَةُ: لَا يُعَاقَبُ بِحَالٍ، وَكُلُّ هَاتِهِ الْأَقْسَامِ دَاخِلٌ فِي إِجْمَالِ لِمَنْ يَشاءُ.
وَقَوْلُهُ: وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً زِيَادَةٌ فِي تَشْنِيعِ حَالِ الشِّرْكِ.
وَالِافْتِرَاءُ: الْكَذِبُ الَّذِي لَا شُبْهَةَ لِلْكَاذِبِ فِيهِ. لِأَنَّهُ مشتقّ من الْقرى، وَهُوَ قَطْعُ الْجِلْدِ.
وَهَذَا مِثْلُ مَا أَطْلَقُوا عَلَيْهِ لَفْظَ الِاخْتِلَاقِ مِنَ الْخَلْقِ. وَهُوَ قَطْعُ الْجِلْدِ، وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ
تَعَالَى: قالَ كَذلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشاءُ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ. وَالْإِثْمُ الْعَظِيمُ: الْفَاحِشَة الشَّدِيدَة.
[٤٩، ٥٠]
[سُورَة النِّسَاء (٤) : الْآيَات ٤٩ إِلَى ٥٠]
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (٤٩) انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفى بِهِ إِثْماً مُبِيناً (٥٠)
تَعْجِيبٌ مِنْ حَالِ الْيَهُودِ إِذْ يَقُولُونَ نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ [الْمَائِدَة: ١٨] وَقَالُوا: لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً [الْبَقَرَة: ١١١] وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ إِدْلَالِهِمُ الْكَاذِبِ.
وَقَوْلُهُ: بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ إِبْطَالٌ لِمُعْتَقَدِهِمْ بِإِثْبَاتِ ضِدِّهِ، وَهُوَ أَنَّ التَّزْكِيَةَ شَهَادَةٌ مِنَ اللَّهِ، وَلَا يَنْفَعُ أَحَدًا أَنْ يُزَكِّيَ نَفْسَهُ. وَفِي تَصْدِيرِ الْجُمْلَةِ بِ (بَلْ) تَصْرِيحٌ بِإِبْطَالِ تَزْكِيَتِهِمْ. وَأَنَّ الَّذِينَ زَكَّوْا أَنْفُسَهُمْ لَا حَظَّ لَهُمْ فِي تَزْكِيَةِ اللَّهِ، وَأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِمَّنْ يَشَاءُ اللَّهُ تَزْكِيَتَهُ، وَلَوْ لَمْ يُذْكَرْ (بَلْ) فَقِيلَ واللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ لَكَانَ لَهُمْ مَطْمَعٌ أَنْ يَكُونُوا مِمَّنْ زَكَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى.
وَمَعْنَى وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا أَيْ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَحْرِمْهُمْ مَا هُمْ بِهِ أَحْرِيَاءُ، وَأَنَّ تَزْكِيَةَ اللَّهِ غَيْرَهُمْ لَا تُعَدُّ ظُلْمًا لَهُمْ لِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ وَلَا يَظْلِمُ أَحَدًا.
وَالْفَتِيلُ: شِبْهُ خَيْطٍ فِي شِقِّ نَوَاةِ التَّمْرَةِ. وَقَدْ شَاعَ اسْتِعَارَتُهُ لِلْقِلَّةِ إِذْ هُوَ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَلَا لَهُ مَرْأًى وَاضِحٌ.