للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَتَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي شَبِيهَةِ هَذِهِ الْآيَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ الْآيَةَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [١٦٤] وَفِي خَوَاتِمِ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ.

وَشَمِلَ قَوْلُهُ: وَما خَلَقَ اللَّهُ الْأَجْسَامَ وَالْأَحْوَالَ كُلَّهَا.

وَجُعِلَتِ الْآيَاتُ هُنَا لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ وَفِي آيَةِ الْبَقَرَةِ [١٦٤] لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ وَفِي آيَةِ آلِ عِمْرَانَ [١٩٠] لِأُولِي الْأَلْبابِ لِأَنَّ السِّيَاقَ هُنَا تَعْرِيضٌ بِالْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَمْ يَهْتَدُوا بِالْآيَاتِ لِيَعْلَمُوا أَنَّ بُعْدَهُمْ عَنِ التَّقْوَى هُوَ سَبَبُ حِرْمَانِهِمْ مِنَ الِانْتِفَاعِ بِالْآيَاتِ، وَأَنَّ نَفْعَهَا حَاصِلٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ، أَيْ يَحْذَرُونَ الضَّلَالَ. فَالْمُتَّقُونَ هُمُ الْمُتَّصِفُونَ بِاتِّقَاءِ مَا يُوقِعُ فِي الْخُسْرَانِ فَيَبْعَثُهُمْ عَلَى تَطَلُّبِ أَسْبَابِ النَّجَاحِ فَيَتَوَجَّهُ الْفِكْرُ إِلَى النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ بِالدَّلَائِلِ.

وَقَدْ مَرَّ تَعْلِيلُ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: هُدىً لِلْمُتَّقِينَ فِي أَوَّلِ الْبَقَرَةِ [٢] عَلَى أَنَّهُ قَدْ سَبَقَ قَوْلُهُ فِي الْآيَةِ قَبْلَهَا نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ [يُونُس: ٥] ، وَأَمَّا آيَةُ الْبَقَرَةِ وَآيَةُ آلِ عِمْرَانَ فَهُمَا وَارِدَتَانِ فِي سِيَاقٍ شَامِلٍ لِلنَّاسِ عَلَى السَّوَاءِ. وَذِكْرُ لَفْظِ (قَوْمٍ) تَقَدَّمَ فِي الْآيَةِ قبل هَذِه.

[٧، ٨]

[سُورَة يُونُس (١٠) : الْآيَات ٧ إِلَى ٨]

إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ (٧) أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٨)

هَذَا اسْتِئْنَافُ وَعِيدٍ لِلَّذِينَ لَمْ يُؤْمِنُوا بِالْبَعْثِ وَلَا فَكَّرُوا فِي الْحَيَاةِ الْآخِرَةِ وَلَمْ يَنْظُرُوا فِي الْآيَاتِ نَشَأَ عَنِ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى مَا كَفَرُوا بِهِ مِنْ ذَلِكَ جَمْعًا بَيْنَ الِاسْتِدْلَالِ الْمُنَاسِبِ لِأَهْلِ الْعُقُولِ وَبَيْنَ الْوَعِيدِ الْمُنَاسِبِ لِلْمُعْرِضِينَ عَنِ الْحَقِّ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ هَؤُلَاءِ لَا تَنْفَعُهُمُ الْأَدِلَّةُ وَإِنَّمَا يَنْتَفِعُ بِهَا الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَيَتَّقُونَ وَأَمَّا هَؤُلَاءِ فَهُمْ سَادِرُونَ فِي غُلْوَائِهِمْ حَتَّى يُلَاقُوا الْعَذَابَ. وَإِذْ قَدْ تَقَرَّرَ الرُّجُوعُ إِلَيْهِ لِلْجَزَاءِ تَأَتَّى الْوَعِيدُ لِمُنْكِرِي الْبَعْثِ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَ رَبِّهِمْ وَالْمَصِيرَ إِلَيْهِ.