وَجَاءَ بِاسْمِ الْفَاعِلِ الَّذِي هُوَ حَقِيقَةٌ فِي الِاتِّصَافِ بِالْفِعْلِ فِي زَمَانِ الْحَالِ تَقْرِيبًا لِإِيمَانِهِمْ بِإِظْهَارِ الْحِرْصِ عَلَى حُصُولِهِ فِي الْحَالِ وَاسْتِعْجَالًا بِإِيمَانِهِمْ لِئَلَّا يَفْجَأَهُمُ الْعَذَابُ فَيَفُوتُ التَّدَارُكُ.
وَجُمْلَةُ وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ اعْبُدُوا وَنَظَائِرِهِ، أَيِ
افْعَلُوا ذَلِكَ بِاخْتِيَارِكُمْ لِأَنَّهُ لِصَلَاحِكُمْ وَلَسْتُ مُكْرِهِكُمْ عَلَى فِعْلِهِ.
وَالْحَفِيظُ: الْمُجْبِرُ، كَقَوْلِهِ: فَإِنْ أَعْرَضُوا فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ [الشورى: ٤٨] وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَما جَعَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [١٠٧] . وَالْمَقْصُودُ مِنْ ذَلِكَ اسْتِنْزَالُ طَائِرِهِمْ لِئَلَّا يَشْمَئِزُّوا مِنَ الْأَمْرِ. وَهَذَا اسْتِقْصَاءٌ فِي التَّرْغِيبِ وَحسن الْجِدَال.
[٨٧]
[سُورَة هود (١١) : آيَة ٨٧]
قالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا مَا نَشؤُا إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (٨٧)
كَانَتِ الصَّلَاةُ مِنْ عِمَادِ الْأَدْيَانِ كُلِّهَا. وَكَانَ الْمُكَذِّبُونَ الْمُلْحِدُونَ قد تمالؤوا فِي كُلِّ أُمَّةٍ عَلَى إِنْكَارِهَا وَالِاسْتِهْزَاءِ بِفَاعِلِهَا أَتَواصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ [الذاريات: ٥٣] ، فَلَمَّا كَانَتِ الصَّلَاةُ أَخَصَّ أَعْمَالِهِ الْمُخَالِفَةِ لِمُعْتَادِهِمْ جَعَلُوهَا الْمُشِيرَةَ عَلَيْهِ بِمَا بَلَّغَهُ إِلَيْهِمْ مِنْ أُمُورٍ مُخَالِفَةٍ لِمُعْتَادِهِمْ- بِنَاءً عَلَى التَّنَاسُبِ بَيْنَ السَّبَبِ وَالْمُسَبِّبِ فِي مُخَالَفَةِ الْمُعْتَادِ- قَصْدًا لِلتَّهَكُّمِ بِهِ وَالسُّخْرِيَةِ عَلَيْهِ تَكْذِيبًا لَهُ فِيمَا جَاءَهُمْ بِهِ، فَإِسْنَادُ الْأَمْرِ إِلَى الصَّلَوَاتِ غَيْرُ حَقِيقِيٍّ إِذْ قَدْ عَلِمَ كُلُّ الْعُقَلَاءِ أَنَّ الْأَفْعَالَ لَا تَأْمُرُ. وَالْمَعْنَى أَنَّ صَلَاتَهُ تَأْمُرُهُ بِأَنَّهُمْ يَتْرُكُونَ، أَيْ تَأْمُرُهُ بِأَنْ يَحْمِلَهُمْ عَلَى تَرْكِ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ. إِذْ مَعْنَى كَوْنِهِ مَأْمُورًا بِعَمَلِ غَيْرِهِ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالسَّعْيِ فِي ذَلِكَ بِأَنْ يَأْمُرَهُمْ بِأَشْيَاءَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute