للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لَهُمْ، فَفِيهِ عِلْمُ مَا لَمْ يَعْلَمْهُ الْمُتَعَلِّمُونَ، وَفِيهِ ذِكْرَى لِمَا عَلِمَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ مِنْهُمْ، وَتَشْمَلُ الذِّكْرَى اسْتِنْبَاطَ الْأَحْكَامِ مِنْ نُصُوصِ الْكِتَابِ وَهُوَ الَّذِي يَخْتَصُّ بِالْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ مِنْ أَنْبِيَائِهِمْ

وَقُضَاتِهِمْ وَأَحْبَارِهِمْ، فَيَكُونُ لِأُولِي الْأَلْبابِ مُتَعَلقا ب ذِكْرى.

وَأولُوا الْأَلْبَابِ: أولو الْعُقُولِ الرَّاجِحَةِ الْقَادِرَةِ على الاستنباط.

[٥٥]

[سُورَة غَافِر (٤٠) : آيَة ٥٥]

فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ (٥٥)

تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ: إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا [غَافِر: ٥١] أَيْ فَاعْلَمْ أَنَّا نَاصِرُوكَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاصْبِرْ عَلَى مَا تُلَاقِيهِ مِنْ قَوْمِكَ وَلَا تَهِنْ.

وَجُمْلَةُ: إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ تَعْلِيلٌ لِلْأَمْرِ بِالصَّبْرِ. وإِنَّ لِلِاهْتِمَامِ بِالْخَبَرِ وَهِيَ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَقَامِ تُغْنِي غَنَاءَ فَاءِ التَّعْلِيلِ فَكَأَنَّهُ قِيلَ: فَوَعْدُ اللَّهِ حَقٌّ وَيُفَادُ بِأَنَّ التَّأْكِيدَ الَّذِي هُوَ لِلِاهْتِمَامِ وَالتَّحْقِيقِ.

وَوَعْدُ اللَّهِ هُوَ وَعْدُ رَسُولِهِ بِالنَّصْرِ فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ وَفِي غَيْرِ مَا آيَةٍ. وَالْمعْنَى لَا تستبطىء النَّصْرَ فَإِنَّهُ وَاقِعٌ، وَذَلِكَ مَا نُصِرَ بِهِ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَيَّامِهِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ وَيَوْمَ الْفَتْحِ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ وَفِي أَيَّامِ الْغَزَوَاتِ الْأُخْرَى. وَمَا عَرَضَ مِنَ الْهَزِيمَةِ يَوْمَ أُحُدٍ كَانَ امْتِحَانًا وَتَنْبِيهًا عَلَى سُوءِ مَغَبَّةِ عَدَمِ الْحِفَاظِ عَلَى وَصِيَّةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا يَبْرَحُوا مِنْ مَكَانِهِمْ ثُمَّ كَانَتِ الْعَاقِبَةُ لِلْمُؤْمِنِينَ.

وَعُطِفَ عَلَى الْأَمْرِ بِالصَّبْرِ الْأَمْرُ بِالِاسْتِغْفَارِ وَالتَّسْبِيحِ فَكَانَا دَاخِلَيْنِ فِي سِيَاقِ التَّفْرِيعِ عَلَى الْوَعْد بالنصر رمز إِلَى تَحْقِيقِ الْوَعْدِ لِأَنَّهُ أَمَرَ عَقِبَهُ بِمَا هُوَ مِنْ آثَارِ الشُّكْرِ كِنَايَةً عَنْ كَوْنِ نِعْمَةِ النَّصْرِ حَاصِلَةً لَا مَحَالَةَ، وَهَذِهِ كِنَايَةٌ رَمْزِيَّةٌ.

وَالْأَمْرُ بِالِاسْتِغْفَارِ أَمْرٌ بِأَنْ يَطْلُبَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى الْمَغْفِرَةَ الَّتِي اقْتَضَتْهَا النُّبُوءَةُ،