للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سُورَة الزمر (٣٩) : الْآيَات ٢٥ إِلَى ٢٦]

كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (٢٥) فَأَذاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٢٦)

اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ لِأَنَّ مَا ذُكِرَ قَبْلَهُ مِنْ مَصِيرِ الْمُشْرِكِينَ إِلَى سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَوْمَ يُقَالُ لِلظَّالِمِينَ هُمْ وَأَمْثَالِهِمْ: ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ [الزمر: ٢٤] ، يُثِيرُ فِي نُفُوسِ الْمُؤْمِنِينَ سُؤَالًا عَنْ تَمَتُّعِ الْمُشْرِكِينَ بِالنِّعْمَةِ فِي الدُّنْيَا ويتمنون أَن يَجْعَل لَهُمُ الْعَذَابُ فَكَانَ جَوَابًا عَنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ: كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ، أَيْ هُمْ مَظِنَّةُ أَنْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ كَمَا أَتَى الْعَذَابُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ إِذْ أَتَاهُمُ الْعَذَابُ فِي الدُّنْيَا بِدُونِ إِنْذَارٍ غَيْرَ مُتَرَقِّبِينَ مَجِيئَهُ، عَلَى نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ

[يُونُس: ١٠٢] ، فَكَانَ عَذَابُ الدُّنْيَا خزيا يخزي بِهِ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ مِنَ الظَّالِمِينَ، وَأَمَّا عَذَابُ الْآخِرَةِ فَجَزَاءٌ يَجْزِي بِهِ اللَّهُ الظَّالِمِينَ عَلَى ظُلْمِهِمْ.

وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: فَأَتاهُمُ الْعَذابُ دَالَّةٌ عَلَى تَسَبُّبِ التَّكْذِيبِ فِي إِتْيَانِ الْعَذَابِ إِلَيْهِمْ فَلَمَّا سَاوَاهُمْ مُشْرِكُو الْعَرَبِ فِي تَكْذِيبِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ سَبَبُ حُلُولِ الْعَذَابِ بِأُولَئِكَ مَوْجُودًا فِيهِمْ فَهُوَ مُنْذِرٌ بِأَنَّهُمْ يَحِلُّ بِهِمْ مِثْلُ مَا حَلَّ بِأُولَئِكَ.

وَضَمِيرُ مِنْ قَبْلِهِمْ عَائِد على فَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ [الزمر: ٢٤] بِاعْتِبَارِ أَنَّ مَعْنَى (مَنْ) جَمْعٌ. وَفِي هَذَا تَعْرِيضٌ بِإِنْذَارِ الْمُشْرِكِينَ بِعَذَابٍ يَحِلُّ بِهِمْ فِي الدُّنْيَا وَهُوَ

عَذَابُ السَّيْفِ الَّذِي أَخْزَاهُمُ اللَّهُ بِهِ يَوْمَ بَدْرٍ. فَالْمُرَادُ بِالْعَذَابِ الَّذِي أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ:

هُوَ عَذَابُ الدُّنْيَا، لِأَنَّهُ الَّذِي يُوصَفُ بِالْإِتْيَانِ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ.

وحَيْثُ ظَرْفُ مَكَانٍ، أَيْ جَاءَ الْعَذَابُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ مَكَانٍ لَا يَشْعُرُونَ بِهِ فَقَوْمٌ أَتَاهُمْ مِنْ جِهَةِ السَّمَاءِ بِالصَّوَاعِقِ، وَقَوْمٌ أَتَاهُمْ مِنَ الْجَوِّ مِثْلَ رِيحِ عَادٍ، قَالَ تَعَالَى:

فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هَذَا عارِضٌ مُمْطِرُنا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ [الْأَحْقَاف: ٢٤] ، وَقَوْمٌ أَتَاهُمْ مِنْ تَحْتِهِمْ بِالزَّلَازِلِ