للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقِيلَ مَنْصُوبٌ بِـ (اذْكُرْ) ، وَقِيلَ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: الْمَصِيرُ وَفِيهِ بُعْدٌ لِطُولِ الْفَصْلِ، وَقِيلَ بِقَوْلِهِ: (وَيُحَذِّرُكُمْ) وَهُوَ بَعِيدٌ، لِأَنَّ التَّحْذِيرَ حَاصِلٌ مِنْ وَقْتِ نُزُولِ الْآيَةِ، وَلَا يَحْسُنُ أَنْ يُجْعَلَ عَامِلَ الظَّرْفِ فِي الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ لِعَدَمِ الْتِئَامِ الْكَلَامِ حَقَّ الِالْتِئَامِ.

فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ تَوَدُّ هُوَ مَبْدَأُ الِاسْتِئْنَافِ، وَعَلَى الْوُجُوهِ الْأُخْرَى هُوَ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ مِنْ قَوْلِهِ وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ.

وَقَوْلُهُ: وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ يجوز أَن كَون تَكْرِيرًا لِلتَّحْذِيرِ الْأَوَّلِ لِزِيَادَةِ التَّأْكِيدِ كَقَوْلِ لَبِيدٍ:

فَتَنَازَعَا سَبَطًا يَطِيرُ ظِلَالُهُ ... كَدُخَانِ مُشْعَلَةٍ يُشَبُّ ضِرَامُهَا

مَشْمُولَةٍ غُلِثَتْ بِنَابِتٍ عَرْنَجٍ ... كَدُخَانِ نَارٍ سَاطِعٍ أَسْنَامُهَا

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ تَحْذِيرًا مِنْ مُوَالَاةِ الْكَافِرِينَ، وَالثَّانِي تَحْذِيرًا مِنْ أَنْ يَجِدُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا عَمِلُوا مِنْ سُوءٍ مُحْضَرًا.

وَالْخِطَابُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلِذَلِكَ سَمَّى الْمَوْعِظَةَ تَحْذِيرًا: لِأَنَّ الْمُحَذَّرَ لَا يَكُونُ مُتَلَبِّسًا بِالْوُقُوعِ فِي الْخَطَرِ، فَإِنَّ التَّحْذِيرَ تَبْعِيدٌ مِنَ الْوُقُوعِ وَلَيْسَ انْتِشَالًا بَعْدَ الْوُقُوعِ وَذَيَّلَهُ هُنَا بقوله: وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ لِلتَّذْكِيرِ بِأَنَّ هَذَا التَّحْذِيرَ لِمَصْلَحَةِ الْمُحَذَّرِينَ.

وَالتَّعْرِيفُ فِي الْعِبَادِ لِلِاسْتِغْرَاقِ: لِأَنَّ رَأْفَةَ اللَّهِ شَامِلَةٌ لِكُلِّ النَّاسِ مُسْلِمِهِمْ وَكَافِرِهِمْ:

وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ [فاطر: ٤٥] اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ [الشورى: ١٩] وَمَا وَعِيدُهُمْ إِلَّا لِجَلْبِ صَلَاحِهِمْ، وَمَا تَنْفِيذُهُ بَعْدَ فَوَاتِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ إِلَّا لِصِدْقِ كَلِمَاتِهِ، وَانْتِظَامِ حِكْمَتِهِ سُبْحَانَهُ. وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَ (أَلْ) عِوَضًا عَنِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ أَيْ بِعِبَادِهِ فَيَكُونَ بِشَارَة للْمُؤْمِنين.

[٣١]

[سُورَة آل عمرَان (٣) : آيَة ٣١]

قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣١)

انْتِقَالٌ إِلَى التَّرْغِيبِ بَعْدَ التَّرْهِيبِ عَلَى عَادَةِ الْقُرْآنِ. وَالْمُنَاسَبَةُ أَنَّ التَّرْهِيبَ الْمُتَقَدِّمَ خُتِمَ بقوله: وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ [آل عمرَان: ٣٠] وَالرَّأْفَةُ تَسْتَلْزِمُ مَحَبَّةَ المرءوف بِهِ الرؤوف، فَجَعْلُ