فَجُمْلَةُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ هَذَا هُدىً وَالْمُنَاسَبَةُ أَنَّ الْقُرْآنَ مِنْ جُمْلَةِ آيَاتِ اللَّهِ وَأَنَّهُ مُذَكِّرٌ بِهَا، فَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ كَفَرُوا بِالْقُرْآنِ فِي عُمُومِ الْآيَاتِ، وَهَذَا وَاقِعٌ مَوْقِعَ التَّذْيِيلِ لِمَا تُقَدِّمُهُ ابْتِدَاءً مِنْ قَوْلِهِ: وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ [الجاثية: ٧] .
وَجِيءَ بِالْمَوْصُولِ وَصِلَتِهِ لِمَا تُشْعِرُ بِهِ الصِّلَةُ مِنْ أَنَّهُمْ حَقِيقُونَ بِالْعِقَابِ.
وَاسْتَحْضَرُوا فِي هَذَا الْمَقَامِ بِعُنْوَانِ الْكُفْرِ دُونَ عُنْوَانَيِ الْإِصْرَارِ وَالِاسْتِكْبَارِ اللَّذَيْنِ اسْتُحْضِرُوا بِهِمَا فِي قَوْلِهِ: ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً [الجاثية: ٨] لِأَنَّ الْغَرَضَ هُنَا النَّعْيُ عَلَيْهِمْ إِهْمَالَهُمْ الِانْتِفَاعَ بِالْقُرْآنِ وَهُوَ النِّعْمَةُ الْعُظْمَى الَّتِي جَاءَتْهُمْ مِنَ اللَّهِ فَقَابَلُوهَا بِالْكُفْرَانِ عِوَضًا عَنِ الشُّكْرِ، كَمَا جَاءَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ [الْوَاقِعَة: ٨٢] .
وَالرِّجْزُ: أَشَدُّ الْعَذَابِ، قَالَ تَعَالَى: فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ [الْبَقَرَة: ٥٩] . وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَرْفُ مِنْ لِلْبَيَانِ فَالْعَذَابُ هُوَ الرِّجْزُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلتَّبْعِيضِ، أَيْ عَذَابٌ مِمَّا يُسَمَّى بِالرِّجْزِ وَهُوَ أَشَدُّهُ.
وأَلِيمٌ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَصْفًا لِ عَذابٌ فَيَكُونُ مَرْفُوعًا وَكَذَلِكَ قَرَأَهُ الْجُمْهُورُ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَصْفًا لِ رِجْزٍ فَيَكُونُ مَجْرُورًا كَمَا قَرَأَهُ ابْنُ كَثِيرٍ وَحَفْصٌ عَن عَاصِم.
[١٢]
[سُورَة الجاثية (٤٥) : آيَة ١٢]
اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٢)
اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ لِلِانْتِقَالِ مِنَ التَّذْكِيرِ بِمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنَ الْعَوَالِمِ وَتَصَارِيفِ أَحْوَالِهَا مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا دَلَالَاتٌ عَلَى الْوَحْدَانِيَّةِ، إِلَى التَّذْكِيرِ بِمَا سَخَّرَ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ وَتَصَارِيفِهَا مِنْ حَيْثُ كَانَت مَنَافِع للنَّاس تَقْتَضِي أَنْ يَشْكُرُوا مُقَدِّرَهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute