اتُّبِعَ فِي حَذْفِهِ اسْتِعْمَالُ الْعَرَبِ إِذَا تَحَدَّثُوا عَنْ شَيْءٍ ثُمَّ أَرَادُوا الْإِخْبَارَ عَنْهُ بِخَبَرٍ جَدِيدٍ.
وَالْمَرْقُومُ: الْمَكْتُوبُ كِتَابَةً بَيِّنَةً تُشْبِهُ الرَّقْمَ فِي الثَّوْبِ الْمَنْسُوجِ.
وَهَذَا الْوَصْفُ يُفِيدُ تَأْكِيدَ مَا يُفِيدُهُ لَفْظُ كِتابٌ سَوَاءٌ كَانَ اللَّفْظُ حَقِيقَةً أَو مجَازًا.
[١٠- ١٣]
[سُورَة المطففين (٨٣) : الْآيَات ١٠ إِلَى ١٣]
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١٠) الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (١١) وَما يُكَذِّبُ بِهِ إِلاَّ كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (١٢) إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (١٣)
جُمْلَةُ: وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ يَجُوزُ أَنْ تكون مبينَة لمضموم جُمْلَةِ: أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ [المطففين: ٤، ٥] فَإِنَّ قَوْلَهُ: يَوْمَئِذٍ يُفِيدُ تَنْوِينُهُ جُمْلَةً مَحْذُوفَةً جُعِلَ التَّنْوِينُ عِوَضًا عَنْهَا تَقْدِيرُهَا: يَوْمَ إِذْ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ وَيْلٌ فِيهِ لِلْمُكَذِّبِينَ.
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ ابْتِدَائِيَّةً وَبَيْنَ الْمُكَذِّبِينَ بِيَوْمِ الدِّينِ وَالْمُطَفِّفِينَ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ وَجْهِيٌّ فَمِنَ الْمُكَذِّبِينَ مَنْ هُمْ مُطَفِّفُونَ وَمِنَ الْمُطَفِّفِينَ مُسْلِمُونَ وَأَهْلُ كِتَابٍ لَا يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ، فَتَكُونُ هَذِهِ الْجُمْلَةُ إِدْمَاجًا لِتَهْدِيدِ الْمُشْرِكِينَ الْمُكَذِّبِينَ بِيَوْمِ الدِّينِ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مِنَ الْمُطَفِّفِينَ.
وَقَدْ ذُكِرَ الْمُكَذِّبُونَ مُجْمَلًا فِي قَوْلِهِ: لِلْمُكَذِّبِينَ ثُمَّ أُعِيدَ مُفَصَّلًا بِبَيَانِ مُتَعَلِّقِ التَّكْذِيبِ، وَهُوَ بِيَوْمِ الدِّينِ لِزِيَادَةِ تَقْرِيرِ تَكْذِيبِهِمْ أَذْهَانَ السَّامِعِينَ مِنْهُمْ وَمِنْ غَيْرِهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ، فَالصِّفَةُ هُنَا لِلتَّهْدِيدِ وَتَحْذِيرِ الْمُطَفِّفِينَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَنْ يَسْتَخِفُّوا بِالتَّطْفِيفِ فَيَكُونُوا بِمَنْزِلَةِ الْمُكَذِّبِينَ بِالْجَزَاءِ عَلَيْهِ.
وَمَعْنَى التَّكْذِيبِ بِ «يَوْمِ الدِّينِ» التَّكْذِيبُ بِوُقُوعِهِ.
فَالتَّكْذِيبُ بِيَوْمِ الْجَزَاءِ هُوَ مَنْشَأُ الْإِقْدَامِ عَلَى السَّيِّئَاتِ وَالْجَرَائِمِ، وَلِذَلِكَ أَعْقَبَهُ بِقَوْلِهِ:
وَما يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ