للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَوْلُهُ قالُوا حَسْبُنا أَيْ كَافِينَا، إِذَا جُعِلَتْ (حَسْبُ) اسْمًا صَرِيحًا وَمَا وَجَدْنا هُوَ الْخَبَرَ، أَوْ كَفَانَا إِذَا جُعِلَتْ (حَسْبُ) اسْمَ فِعْلٍ وَمَا وَجَدْنا هُوَ الْفَاعِلَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ [١٧٣] .

وَ (عَلَى) فِي قَوْلِهِ: مَا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا مَجَازٌ فِي تَمَكُّنِ التَّلَبُّسِ، وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ [الْبَقَرَة: ٥] .

وَقَوْلُهُ: أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ إِلَخْ، تَقَدَّمَ الْقَوْلُ عَلَى نَظِيرِهِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [١٧٠] عِنْدَ قَوْلِهِ: وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ الْآيَةَ.

وَلَيْسَ لِهَذِهِ الْآيَةِ تَعَلُّقٌ بِمَسْأَلَةِ الِاجْتِهَادِ وَالتَّقْلِيدِ كَمَا تَوَهَّمَهُ جَمْعٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ، لِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ فِي تَنَازُعٍ بَيْنَ أَهْلِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَأَهْلِ الِافْتِرَاءِ عَلَى اللَّهِ، فَأَمَّا الِاجْتِهَادُ وَالتَّقْلِيدُ فِي فُرُوعِ الْإِسْلَامِ فَذَلِكَ كُلُّهُ مِنِ اتِّبَاعِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ. فَتَحْمِيلُ الْآيَةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ إِكْرَاهٌ لِلْآيَةِ عَلَى هَذَا الْمَعْنى.

[١٠٥]

[سُورَة الْمَائِدَة (٥) : آيَة ١٠٥]

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٠٥)

تَذْيِيلٌ جَرَى عَلَى مُنَاسَبَةٍ فِي الِانْتِقَالِ فَإِنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ مُكَابَرَةَ الْمُشْرِكِينَ وَإِعْرَاضَهُمْ عَنْ دَعْوَةِ الْخَيْرِ عَقَّبَهُ بِتَعْلِيمِ الْمُسْلِمِينَ حُدُودَ انْتِهَاءِ الْمُنَاظَرَةِ وَالْمُجَادَلَةِ إِذَا ظَهَرَتِ الْمُكَابَرَةُ، وَعَذَرَ الْمُسْلِمِينَ بِكِفَايَةِ قِيَامِهِمْ بِمَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ الدَّعْوَةِ إِلَى الْخَيْرِ، فَأَعْلَمَهُمْ هُنَا أَنْ لَيْسَ تَحْصِيلُ أَثَرِ الدُّعَاءِ على الْخَيْر بمسؤولين عَنْهُ، بَلْ عَلَى الدَّاعِي بَذْلُ جَهْدِهِ وَمَا عَلَيْهِ إِذَا لَمْ يُصْغِ الْمَدْعُوُّ إِلَى الدَّعْوَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ [الْقَصَص: ٥٦] .

وعَلَيْكُمْ اسْمُ فِعْلٍ بِمَعْنَى الْزَمُوا، وَذَلِكَ أَنَّ أَصْلَهُ أَنْ يُقَالَ: عَلَيْكَ أَنْ تَفْعَلَ كَذَا، فَتَكُونُ جُمْلَةً مِنْ خَبَرٍ مُقَدَّمٍ وَمُبْتَدَأٍ مُؤَخَّرٍ، وَتَكُونُ (عَلَى) دَالَّةً عَلَى اسْتِعْلَاءٍ