وَالْأَمْرُ بِأَنْ يَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا أَيْ قَوْلًا حَسَنًا وَهُوَ ضِدُّ الْمُنْكَرِ تَسْلِيَةً لِبَعْضِهِمْ
عَلَى مَا حُرِمُوا مِنْهُ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ كَمَا كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة.
[٩]
[سُورَة النِّسَاء (٤) : آيَة ٩]
وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (٩)
مَوْعِظَةٌ لِكُلِّ مَنْ أُمِرَ أَوْ نُهِيَ أَوْ حُذِّرَ أَوْ رُغِّبَ فِي الْآيِ السَّابِقَةِ، فِي شَأْنِ أَمْوَالِ الْيَتَامَى وَأَمْوَالِ الضِّعَافِ مِنَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، فَابْتُدِئَتِ الْمَوْعِظَةُ بِالْأَمْرِ بِخَشْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَيْ خَشْيَةِ عَذَابِهِ، ثُمَّ أُعْقِبَ بِإِثَارَةِ شَفَقَةِ الْآبَاءِ عَلَى ذُرِّيَّتِهِمْ بِأَنْ يُنَزِّلُوا أَنْفُسَهُمْ مَنْزِلَةَ الْمَوْرُوثِينَ، الَّذِينَ اعْتَدَوْا هُمْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ، وَيُنَزِّلُوا ذُرِّيَّاتِهِمْ مَنْزِلَةَ الذُّرِّيَّةِ الَّذِينَ أَكَلُوا هُمْ حُقُوقَهُمْ، وَهَذِهِ الْمَوْعِظَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى قِيَاسِ
قَوْلِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ»
وَزَادَ إِثَارَةَ الشَّفَقَةِ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَدَى عَلَيْهِمْ خَلْقٌ ضِعَافٌ بِقَوْلِهِ: ضِعافاً، ثُمَّ أَعْقَبَ بِالرُّجُوعِ إِلَى الْغَرَضِ الْمُنْتَقِلِ مِنْهُ وَهُوَ حِفْظُ أَمْوَالِ الْيَتَامَى، بِالتَّهْدِيدِ عَلَى أَكْلِهِ بِعَذَابِ الْآخِرَةِ بَعْدَ التَّهْدِيدِ بِسُوءِ الْحَالِ فِي الدُّنْيَا. فَيُفْهَمُ مِنَ الْكَلَامِ تَعْرِيضٌ بِالتَّهْدِيدِ بأنّ نصيب أَبْنَاءَهُم مِثْلُ مَا فَعَلُوهُ بِأَبْنَاءِ غَيْرِهِمْ وَالْأَظْهَرُ أَنَّ مَفْعُولَ (يَخْشَ) حُذِفَ لِتَذْهَبَ نَفْسُ السَّامِعِ فِي تَقْدِيرِهِ كُلَّ مَذْهَبٍ مُحْتَمَلٍ، فَيَنْظُرُ كُلَّ سَامِعٍ بِحَسَبِ الْأَهَمِّ عِنْدَهُ مِمَّا يَخْشَاهُ أَنْ يُصِيبَ ذُرِّيَّتَهُ.
وَجُمْلَةُ لَوْ تَرَكُوا إِلَى خافُوا عَلَيْهِمْ صِلَةُ الْمَوْصُولِ، وَجُمْلَةُ خافُوا عَلَيْهِمْ جَوَابُ (لَوْ) .
وَجِيءَ بِالْمَوْصُولِ لِأَنَّ الصِّلَةَ لَمَّا كَانَتْ وَصْفًا مَفْرُوضًا حَسُنَ التَّعْرِيفُ بِهَا إِذِ الْمَقْصُودُ تَعْرِيفُ مَنْ هَذِهِ حَالُهُ، وَذَلِكَ كَافٍ فِي التَّعْرِيفِ لِلْمُخَاطَبِينَ بِالْخَشْيَةِ إِذْ كُلُّ سَامِعٍ يَعْرِفُ مَضْمُونَ هَذِهِ الصِّلَةِ لَوْ فَرْضَ حُصُولِهَا لَهُ، إِذْ هِيَ أَمْرٌ يَتَصَوَّرُهُ كُلُّ النَّاسِ.
وَوَجْهُ اخْتِيَارِ (لَوْ) هُنَا مِنْ بَيْنِ أَدَوَاتِ الشَّرْطِ أَنَّهَا هِيَ الْأَدَاةُ الصَّالِحَةُ لِفَرْضِ الشَّرْطِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِإِمْكَانِهِ، فَيَصْدُقُ مَعَهَا الشَّرْطُ الْمُتَعَذِّرُ الْوُقُوعِ وَالْمُسْتَبْعَدُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute