وَأُضِيفَ الرَّبُّ إِلَى ضَمِيرِ الرِّيحِ لِأَنَّهَا مُسَخَّرَةٌ لِأَمْرِ التَّكْوِينِ الْإِلَهِيِّ فَالْأَمْرُ هُنَا هُوَ أَمْرُ التَّكْوِينِ.
فَأَصْبَحُوا أَيْ صَارُوا، وَأَصْبَحَ هُنَا مِنْ أَخَوَاتِ صَارَ. وَلَيْسَ الْمُرَادُ: أَنَّ تَدْمِيرَهُمْ كَانَ لَيْلًا فَإِنَّهُمْ دُمِّرُوا أَيَّامًا وَلَيَالِيَ، فَبَعْضُهُمْ هَلَكَ فِي الصَّبَاحِ وَبَعْضُهُمْ هَلَكَ مَسَاءً وَلَيْلًا.
وَالْخِطَابُ فِي قَوْلِهِ: لَا تَرى لِمَنْ تَتَأَتَّى مِنْهُ الرُّؤْيَةُ حِينَئِذٍ إِتْمَامًا لِاسْتِحْضَارِ حَالَةِ دَمَارِهِمُ الْعَجِيبَةِ حَتَّى كَأَنَّ الْآيَةَ نَازِلَةٌ فِي وَقْتِ حُدُوثِ هَذِهِ الْحَادِثَةِ.
وَالْمُرَادُ بِالْمَسَاكِنِ: آثَارُهَا وَبَقَايَاهَا وَأَنْقَاضُهَا بَعْدَ قَلْعِ الرِّيحِ مُعْظَمَهَا. وَالْمَعْنَى: أَنَّ الرِّيحَ أَتَتْ عَلَى جَمِيعِهِمْ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ مِنْ سَاكِنِي مَسَاكِنِهِمْ.
وَقَوْلُهُ: كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ أَيْ مِثْلَ جَزَاءِ عَادٍ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ، وَهُوَ تَهْدِيدٌ لِمُشْرِكِي قُرَيْشٍ وَإِنْذَارٌ لَهُمْ وَتَوْطِئَةٌ لِقَوْلِهِ: وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ [الْأَحْقَاف: ٢٦] .
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ لَا تَرى بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ وَبِنَصْبِ مَساكِنُهُمْ وَقَرَأَهُ عَاصِمٌ وَحَمْزَةُ وَخَلَفٌ بِيَاءٍ تَحْتِيَّةٍ مَبْنِيًّا لِلْمَجْهُولِ وَبِرَفْعِ مَساكِنُهُمْ وَأَجْرَى عَلَى الْجَمْعِ
صِيغَةَ الْغَائِبِ الْمُفْرَدِ لِأَنَّ الْجَمْعَ مُسْتَثْنًى بِ إِلَّا وَهِيَ فَاصِلَةٌ بَيْنَهُ وَبَين الْفِعْل.
[٢٦]
[سُورَة الْأَحْقَاف (٤٦) : آيَة ٢٦]
وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَحاقَ بِهِمْ مَا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٢٦)
هَذَا اسْتِخْلَاصٌ لِمَوْعِظَةِ الْمُشْرِكِينَ بِمَثَلِ عَادٍ، لِيَعْلَمُوا أَنَّ الَّذِي قَدَرَ عَلَى إِهْلَاكِ عَادٍ قَادِرٌ عَلَى إِهْلَاكِ مَنْ هُمْ دُونَهُمْ فِي الْقُوَّةِ وَالْعَدَدِ، وَلِيَعْلَمُوا أَنَّ الْقَوْمَ كَانُوا مِثْلَهُمْ مُسْتَجْمِعِينَ قُوَى الْعَقْلِ وَالْحِسِّ وَأَنَّهُمْ أَهْمَلُوا الِانْتِفَاعَ بِقُوَاهُمْ فَجَحَدُوا بِآيَاتِ اللَّهِ