تَصْرِيحِهِمْ بِتَكْذِيبِ الرُّسُلِ. وَهَذَا تَهْدِيدٌ بِالِانْتِقَامِ مِنَ الَّذِينَ شَابَهُوهُمْ فِي مَقَالِهِمْ، وَهُمْ كُفَّارُ قُرَيْشٍ.
وَالِانْتِقَامُ افْتِعَالٌ مِنَ النَّقْمِ وَهُوَ الْمُكَافَأَةُ بِالسُّوءِ، وَصِيغَةُ الِافْتِعَالِ لِمُجَرَّدِ الْمُبَالَغَةِ، يُقَالُ: نَقِمَ كَعَلِمَ وَضَرَبَ، إِذَا كَافَأَ عَلَى السُّوءِ بِسوء، وَفِي الْمثل: هُوَ كَالْأَرْقَمِ إِنْ يُتْرَكْ
يَلْقَمْ وَإِنْ يُقْتَلْ يَنْقَمْ. الْأَرْقَمُ: ضَرْبٌ مِنَ الْحَيَّاتِ يَعْتَقِدُ الْعَرَبُ أَنَّهُ مِنَ الْجِنِّ فَإِنْ تَرَكَهُ الْمَرْءُ يَتَسَوَّرُ عَلَيْهِ فَيَلْسَعُهُ وَيَقْتُلُهُ وَإِنْ قَتَلَهُ الْمَرْءُ انْتَقَمَ بِتَأْثِيرِهِ فَأَمَاتَ قَاتِلَهُ وَهَذَا مِنْ أَوْهَامِ الْعَرَبِ.
وَالْمُرَادُ بِالِانْتِقَامِ اسْتِئْصَالُهُمْ وَانْقِرَاضُهُمْ. وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ فِي الْيَمِّ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ [١٣٦] . وَلِذَلِكَ فَالنَّظَرُ فِي قَوْلِهِ: فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ نَظَرُ التَّفَكُّرِ وَالتَّأَمُّلِ فِيمَا قَصَّ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَخْبَارِهِمْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: قالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ فِي سُورَةِ النَّمْلِ [٢٧] ، وَلَيْسَ نَظَرَ الْبَصَرِ إِذْ لَمْ يَرَ النَّبِيءُ حَالَةَ الِانْتِقَامِ فِيهِمْ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْخِطَابُ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ، أَيْ لِكُلِّ مَنْ يَتَأَتَّى مِنْهُ التَّأَمُّلُ.
وكَيْفَ اسْتِفْهَامٌ عَنِ الْحَالَةِ وَهُوَ قَدْ عَلَّقَ فِعْلَ النَّظَرِ عَن مَفْعُوله.
[٢٦، ٢٧]
[سُورَة الزخرف (٤٣) : الْآيَات ٢٦ إِلَى ٢٧]
وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (٢٦) إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (٢٧)
لَمَّا ذَكَّرَهُمُ اللَّهُ بِالْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ وَشَبَّهَ حَالَهُمْ بِحَالِهِمْ سَاقَ لَهُمْ أَمْثَالًا فِي ذَلِكَ مِنْ مَوَاقِفِ الرُّسُلِ مَعَ أُمَمِهِمْ مِنْهَا قِصَّةُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَعَ قَوْمِهِ. وَابْتَدَأَ بِذِكْرِ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمِهِ إِبْطَالًا لِقَوْلِ الْمُشْرِكِينَ: إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ [الزخرف: ٢٢] ، بِأَنَّ أَوْلَى آبَائِهِمْ بِأَنْ يَقْتَدُوا بِهِ هُوَ أَبُوهُمُ الَّذِي يَفْتَخِرُونَ بِنِسْبَتِهِ إِبْرَاهِيمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute