[سُورَة التَّوْبَة (٩) : آيَة ٨٥]
وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ (٨٥)
الْخِطَابُ لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمَقْصُودُ بِهِ الْمُسْلِمُونَ، أَيْ لَا تُعْجِبْكُمْ، وَالْجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى
جُمْلَةِ النَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ.
وَمُنَاسَبَةُ ذِكْرِ هَذَا الْكَلَامِ هُنَا أَنَّهُ لَمَّا ذُكِرَ مَا يَدُلُّ عَلَى شَقَاوَتِهِمْ فِي الْحَيَاةِ الْآخِرَةِ كَانَ ذَلِكَ قَدْ يُثِيرُ فِي نُفُوسِ النَّاسِ أَنَّ الْمُنَافِقِينَ حَصَّلُوا سَعَادَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا بِكَثْرَةِ الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَخَسِرُوا الْآخِرَةَ. وَرُبَّمَا كَانَ فِي ذَلِكَ حَيْرَةٌ لِبَعْضِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَقُولُوا: كَيْفَ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِالْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَهُمْ أعداؤه وبغضاء نبيئه. وَرُبَّمَا كَانَ فِي ذَلِكَ أَيْضًا مَسْلَاةٌ لَهُمْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، فَأَعْلَمَ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ تِلْكَ الْأَمْوَالَ وَالْأَوْلَادَ وَإِنْ كَانَتْ فِي صُورَةِ النِّعْمَةِ فَهِيَ لَهُمْ نِقْمَةٌ وَعَذَابٌ، وَأَنَّ اللَّهَ عَذَّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا بِأَنْ سَلَبَهُمْ طُمَأْنِينَةَ الْبَالِ عَلَيْهَا لِأَنَّهُمْ لَمَّا اكْتَسَبُوا عَدَاوَةَ الرَّسُولِ وَالْمُسْلِمِينَ كَانُوا يَحْذَرُونَ أَنْ يُغْرِيَ اللَّهُ رَسُولَهُ بِهِمْ فَيَسْتَأْصِلَهُمْ، كَمَا قَالَ: لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَّا قَلِيلًا مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا [الْأَحْزَاب: ٦٠، ٦١] ، ثُمَّ جَعَلَ ذَلِكَ مُسْتَمِرًّا إِلَى مَوْتِهِمْ عَلَى الْكُفْرِ الَّذِي يَصِيرُونَ بِهِ إِلَى الْعَذَابِ الْأَبَدِيِّ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ عِنْدَ ذِكْرِ شُحِّهِمْ بِالنَّفَقَةِ فِي قَوْلِهِ: قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً [التَّوْبَة: ٥٣] الْآيَتَيْنِ، فَأُفِيدَ هُنَالِكَ عَدَمُ انْتِفَاعِهِمْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنَّهَا عَذَابٌ عَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا، ثُمَّ أُعِيدَتِ الْآيَةُ بِغَالِبِ أَلْفَاظِهَا هُنَا تَأْكِيدًا لِلْمَعْنَى الَّذِي اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ إِبْلَاغًا فِي نَفْيِ الْفِتْنَةِ وَالْحَيْرَةِ عَنِ النَّاسِ.
وَلَكِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ خَالَفَتِ السَّابِقَةَ بِأُمُورٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ هَذِهِ جَاءَ الْعَطْفُ فِي أَوَّلِهَا بِالْوَاوِ وَالْأُخْرَى عُطِفَتْ بِالْفَاءِ. وَمُنَاسَبَةُ التَّفْرِيعِ هُنَالِكَ تَقَدَّمَ بَيَانُهَا، وَمُنَاسَبَةُ عَدَمِ التَّفْرِيعِ هُنَا أَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ هَذِهِ لَيْسَ مُفَرَّعًا عَلَى مَعْنَى الْجُمْلَةِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهَا وَلَكِنْ بَيْنَهُمَا مُنَاسَبَةٌ فَقَطْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute