للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَصْفِ الشَّيْطَانِ بِخَذْلِ الْإِنْسَانِ لِأَنَّ الشَّيْطَانَ يَكِيدُ الْإِنْسَانَ فَيُوَرِّطُهُ فِي الضُّرِّ فَهُوَ خذول.

[٣٠]

[سُورَة الْفرْقَان (٢٥) : آيَة ٣٠]

وَقالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً (٣٠)

عَطْفٌ عَلَى أَقْوَالِ الْمُشْرِكِينَ وَمُنَاسَبَتُهُ لِقَوْلِهِ: لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ [الْفرْقَان: ٢٩] أَنَّ الذِّكْرَ هُوَ الْقُرْآنُ فَحُكِيَتْ شِكَايَةُ الرَّسُولِ إِلَى رَبِّهِ قَوْمَهُ مِنْ نَبْذِهِمُ الْقُرْآنَ بِتَسْوِيلِ زُعَمَائِهِمْ وَسَادَتِهِمُ الَّذِينَ أَضَلُّوهُمْ عَنِ الْقُرْآنِ، أَيْ عَنِ التَّأَمُّلِ فِيهِ بَعْدَ أَنْ جَاءَهُمْ وَتَمَكَّنُوا مِنَ النَّظَرِ، وَهَذَا الْقَوْلُ وَاقِعٌ فِي الدُّنْيَا وَالرَّسُولُ هُوَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَهُوَ خَبَرٌ مُسْتَعْمَلٌ فِي الشِّكَايَةِ.

وَالْمَقْصُودُ مِنْ حِكَايَةِ قَوْلِ الرَّسُولِ إِنْذَارُ قُرَيْشٍ بِأَنَّ الرَّسُولَ تَوَجَّهَ إِلَى رَبِّهِ فِي هَذَا الشَّأْنِ فَهُوَ يَسْتَنْصِرُ بِهِ وَيُوشِكُ أَنْ يَنْصُرَهُ، وَتَأْكِيدُهُ بِ إِنَّ لِلِاهْتِمَامِ بِهِ لِيَكُونَ التَّشَكِّي

أَقْوَى. وَالتَّعْبِيرُ عَنْ قُرَيْشٍ بِ قَوْمِي لِزِيَادَةِ التَّذَمُّرِ مِنْ فِعْلِهِمْ مَعَهُ لِأَنَّ شَأْنَ قَوْمِ الرَّجُلِ أَنْ يُوَافِقُوهُ.

وَفِعْلُ الِاتِّخَاذِ إِذَا قُيِّدَ بِحَالَةٍ يُفِيدُ شِدَّةَ اعْتِنَاءِ الْمُتَّخِذِ بِتِلْكَ الْحَالَةِ بِحَيْثُ ارْتَكَبَ الْفِعْلَ لِأَجْلِهَا وَجَعَلَهُ لَهَا قَصْدًا. فَهَذَا أَشَدُّ مُبَالَغَةً فِي هَجْرِهِمُ الْقُرْآنَ مِنْ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ قَوْمِي هَجَرُوا الْقُرْآنَ.

وَاسْمُ الْإِشَارَةِ فِي هذَا الْقُرْآنَ لِتَعْظِيمِهِ وَأَنَّ مِثْلَهُ لَا يُتَّخَذُ مَهْجُورًا بَلْ هُوَ جَدِيرٌ بِالْإِقْبَالِ عَلَيْهِ وَالِانْتِفَاعِ بِهِ.

وَالْمَهْجُورُ: الْمَتْرُوكُ وَالْمُفَارَقُ. وَالْمُرَادُ هَنَا تُرْكُ الِاعْتِنَاءِ بِهِ وسماعه.

[٣١]

[سُورَة الْفرْقَان (٢٥) : آيَة ٣١]

وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً (٣١)

هَذِهِ تَسْلِيَةٌ لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ مَا لَقِيَهُ مِنْ بَعْضِ قَوْمِهِ هُوَ سُنَّةٌ مِنْ سُنَنِ الْأُمَمِ مَعَ أَنْبِيَائِهِمْ.

وَفِيهِ تَنْبِيهٌ لِلْمُشْرِكِينَ لِيَعْرِضُوا أَحْوَالَهُمْ عَلَى هَذَا الْحُكْمِ التَّارِيخِيِّ فَيَعْلَمُوا