للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سُورَة التَّوْبَة (٩) : آيَة ١٠٢]

وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٠٢)

الْأَظْهَرُ أَنَّ جُمْلَةَ: وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ: وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ [التَّوْبَة:

١٠١] ، أَيْ وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ، وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ آخَرُونَ أَذْنَبُوا بِالتَّخَلُّفِ فَاعْتَرَفُوا اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ بِذُنُوبِهِمْ بالتقصير. فَقَوله: إِيجَازٌ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ أَذْنَبُوا وَاعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ وَلَمْ يَكُونُوا مُنَافِقِينَ لِأَنَّ التَّعْبِيرَ بِالذُّنُوبِ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ يَقْتَضِي أَنَّهَا أَعْمَالٌ سَيِّئَةٌ فِي حَالَةِ الْإِيمَانِ، وَكَذَلِكَ التَّعْبِيرُ عَنِ ارْتِكَابِ الذُّنُوبِ بِخَلْطِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ بِالسَّيِّئِ.

وَكَانَ مِنْ هَؤُلَاءِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ الْجَدُّ بْنُ قَيْسٍ، وَكَرْدَمٌ، وَأَرْسُ بْنُ ثَعْلَبَةَ، وَوَدِيعَةُ بْنُ حِزَامٍ، وَمِرْدَاسٌ، وَأَبُو قَيْسٍ، وَأَبُو لُبَابَةَ فِي عَشَرَةِ نَفَرٍ اعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فِي التَّخَلُّفِ عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ وَتَابُوا إِلَى اللَّهِ وَرَبَطُوا أَنْفُسَهُمْ فِي سَوَارِي الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ أَيَّامًا حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي تَوْبَةِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ.

وَالِاعْتِرَافُ: افْتِعَالٌ مِنْ عَرَفَ. وَهُوَ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الْمَعْرِفَةِ، وَلِذَلِكَ صَارَ بِمَعْنَى الْإِقْرَارِ بِالشَّيْءِ وَتَرْكِ إِنْكَارِهِ، فَالِاعْتِرَافُ بِالذَّنْبِ كِنَايَةٌ عَنِ التَّوْبَةِ مِنْهُ، لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالذَّنْبِ الْفَائِتِ إِنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ النَّدَمِ وَالْعَزْمِ عَلَى عَدَمِ الْعَوْدِ إِلَيْهِ، وَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْإِقْلَاعُ الَّذِي هُوَ مِنْ أَرْكَانِ التَّوْبَةِ لِأَنَّهُ ذَنْبٌ مَضَى، وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَزْمُ عَلَى أَنْ لَا يَعُودَ.

وَخَلْطُهُمُ الْعَمَل الصَّالح والسيّء هُوَ خَلْطُهُمْ حَسَنَاتِ أَعْمَالِهِمْ بِسَيِّئَاتِ التَّخَلُّفِ عَنِ الْغَزْوِ وَعَدَمِ الْإِنْفَاقِ عَلَى الْجَيْشِ.

وَقَوْلُهُ: خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً جَاءَ ذِكْرُ الشَّيْئَيْنِ الْمُخْتَلِطَيْنِ بِالْعَطْفِ بِالْوَاوِ عَلَى اعْتِبَارِ اسْتِوَائِهِمَا فِي وُقُوعِ فِعْلِ الْخَلْطِ عَلَيْهِمَا. وَيُقَالُ: خَلَطَ كَذَا بِكَذَا عَلَى اعْتِبَارِ أَحَدِ الشَّيْئَيْنِ الْمُخْتَلِطَيْنِ مُتَلَابِسَيْنِ بِالْخَلْطِ، وَالتَّرْكِيبَانِ مُتَسَاوِيَانِ فِي الْمَعْنَى، وَلَكِنَّ الْعَطْفَ بِالْوَاوِ أَوْضَحُ وَأَحْسَنُ فَهُوَ أَفْصَحُ.