فَلَمَّا ذَكَرَ أَفْئِدَةً لِهَذِهِ النُّكْتَةِ حَسُنَ بَيَانُهُ بِأَنَّهُمْ مِنَ النَّاسِ، فَ مِنْ بَيَانِيَّةٌ لَا تَبْعِيضِيَّةٌ، إِذْ لَا طَائِلَ تَحْتَهُ.
وَالْمَعْنَى: فَاجْعَلْ أُنَاسًا يَقْصِدُونَهُمْ بِحَبَّاتِ قُلُوبِهِمْ.
وَتَهْوِي- مُضَارِعُ هَوَى- بِفَتْحِ الْوَاوِ-: سَقَطَ. وَأُطْلِقَ هُنَا عَلَى الْإِسْرَاعِ فِي الْمَشْيِ اسْتِعَارَةٌ، كَقَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ:
كَجُلْمُودِ صَخْرٍ حَطَّهُ السَّيْلُ مِنْ عَلِ
وَلِذَلِكَ عُدِّيَ بِاللَّامِ دُونَ عَلَى.
وَالْإِسْرَاعُ: جُعِلَ كِنَايَةً عَنِ الْمَحَبَّةِ وَالشَّوْقِ إِلَى زِيَارَتِهِمْ.
وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا الدُّعَاءِ تَأْنِيسُ مَكَانِهِمْ بِتَرَدُّدِ الزَّائِرِينَ وَقَضَاءِ حَوَائِجِهِمْ مِنْهُمْ.
وَالتَّنْكِيرُ مُطْلَقٌ يُحْمَلُ عَلَى الْمُتَعَارَفِ فِي عُمْرَانِ الْمُدُنِ وَالْأَسْوَاقِ بِالْوَارِدِينَ، فَلِذَلِكَ لَمْ يُقَيِّدْهُ فِي الدُّعَاءِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْكَثْرَةِ اكْتِفَاءً بِمَا هُوَ مَعْرُوفٌ.
وَمَحَبَّةُ النَّاسِ إِيَّاهُمْ يَحْصُلُ مَعَهَا مَحَبَّةُ الْبَلَدِ وَتَكْرِيرُ زِيَارَتِهِ، وَذَلِكَ سَبَبٌ لِاسْتِئْنَاسِهِمْ بِهِ وَرَغْبَتِهِمْ فِي إِقَامَةِ شَعَائِرِهِ، فَيُؤَوَّلُ إِلَى الدَّعْوَةِ إِلَى الدِّينِ.
وَرَجَاءُ شُكْرِهِمْ دَاخِلٌ فِي الدُّعَاءِ لِأَنَّهُ جُعِلَ تَكْمِلَةً لَهُ تَعَرُّضًا لِلْإِجَابَةِ وَزِيَادَةً فِي الدُّعَاءِ لَهُمْ بِأَنْ يَكُونُوا مِنَ الشَّاكِرِينَ. وَالْمَقْصُودُ: تَوَفُّرُ أَسْبَابِ الِانْقِطَاعِ إِلَى الْعِبَادَةِ وَانْتِفَاءِ مَا يَحُولُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهَا مِنْ فِتْنَةِ الكدح للاكتساب.
[٣٨]
[سُورَة إِبْرَاهِيم (١٤) : آيَة ٣٨]
رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَما نُعْلِنُ وَما يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ (٣٨)
جَاءَ بِهَذَا التَّوَجُّهِ إِلَى اللَّهِ جَامِعًا لِمَا فِي ضَمِيرِهِ، وَفَذْلَكَةً لِلْجُمَلِ الْمَاضِيَةِ لِمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنْ ذِكْرِ ضَلَالِ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ، وَذِكْرِ مَنِ اتَّبَعَ دَعْوَتَهُ