للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْمُنِيبُ مَنْ أَنَابَ إِذَا رَجَعَ، وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ النَّوْبِ وَهُوَ النُّزُولُ. وَالْمُرَادُ التَّوْبَةُ مِنَ التَّقْصِيرِ، أَيْ مُحَاسِبٌ نَفْسَهُ عَلَى مَا يَحْذَرُ مِنْهُ.

وَحَقِيقَةُ الْإِنَابَةِ: الرُّجُوعُ إِلَى الشَّيْءِ بَعْدَ مُفَارَقَتِهِ وَتَرْكِهِ.

وَجُمْلَةُ يَا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا مَقُولُ مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ الْمَقَامُ وَهُوَ مِنْ بَدِيعِ الْإِيجَازِ، وَهُوَ وَحْيٌ مِنَ اللَّهِ إِلَى إِبْرَاهِيمَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ-، أَوْ جَوَابُ الْمَلَائِكَةِ إِبْرَاهِيمَ- عَلَيْهِ

السَّلَامُ- فَإِذَا كَانَ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ فَقَوْلُهُ: أَمْرُ رَبِّكَ إِظْهَارٌ فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ لِإِدْخَالِ الرَّوْعِ فِي ضَمِيرِ السَّامِعِ.

وَأمر اللَّهِ قَضَاؤُهُ، أَيْ أَمر تكوينه.

[٧٧]

[سُورَة هود (١١) : آيَة ٧٧]

وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ (٧٧)

قَدْ عُلِمَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ ذَاهِبُونَ إِلَى قَوْمِ لُوطٍ مِنْ قَوْلِهِ: إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ [هود:

٧٠] . فَالتَّقْدِيرُ: فَفَارَقُوا إِبْرَاهِيمَ وَذَهَبُوا إِلَى لُوطٍ- عَلَيْهِمَا السَّلَامُ- فَلَمَّا جَاءُوا لُوطًا، فَحَذَفَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْمَقَامُ إِيجَازًا قُرْآنِيًّا بَدِيعًا.

وَقَدْ جَاءُوا لُوطًا كَمَا جَاءُوا إِبْرَاهِيمَ- عَلَيْهِمَا السَّلَامُ- فِي صُورَةِ الْبَشَرِ، فَظَنَّهُمْ نَاسًا وَخَشِيَ أَنْ يَعْتَدِيَ عَلَيْهِمْ قَوْمُهُ بِعَادَتِهِمُ الشَّنِيعَةِ، فَلِذَلِكَ سِيءَ بِهِمْ.

وَمَعْنَى ضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً ضَاقَ ذَرْعَهُ بِسَبَبِهِمْ، أَيْ بِسَبَبِ مَجِيئِهِمْ فَحَوَّلَ الْإِسْنَادَ إِلَى الْمُضَافِ إِلَيْهِ وَجَعَلَ الْمُسْنَدَ إِلَيْهِ تَمْيِيزًا لِأَنَّ إِسْنَادَ الضِّيقِ إِلَى صَاحِبِ الذَّرْعِ أَنْسَبُ بِالْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ، وَهُوَ أَشْبَهُ بِتَجْرِيدِ الِاسْتِعَارَةِ التَّمْثِيلِيَّةِ.

وَالذَّرْعُ: مَدُّ الذِّرَاعِ فَإِذَا أُسْنِدَ إِلَى الْآدَمِيِّ فَهُوَ تَقْدِيرُ الْمَسَافَةِ. وَإِذَا أُسْنِدَ إِلَى الْبَعِيرِ فَهُوَ مَدُّ ذِرَاعَيْهِ فِي السَّيْرِ عَلَى قَدْرِ سَعَةِ خُطْوَتِهِ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ: ضَاقَ ذَرْعًا