للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ. وَأَمَّا تَفْرِيقُ الْآرَاءِ فِي التَّعْلِيلَاتِ وَالتَّبْيِينَاتِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَهُوَ مِنَ النَّظَرِ فِي الدِّينِ: مِثْلَ الِاخْتِلَافِ فِي أَدِلَّةِ الصِّفَاتِ، وَفِي تَحْقِيقِ مَعَانِيهَا، مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى إِثْبَاتهَا.

وَكَذَلِكَ تَفْرِيق الْفُرُوعِ: كَتَفْرِيقِ فُرُوعِ الْفِقْهِ بِالْخِلَافِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى صِفَةِ الْعَمَلِ وَعَلَى مَا بِهِ صِحَة الْأَعْمَال وَفَسَادُهَا. كَالِاخْتِلَافِ فِي حَقِيقَةِ الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ تَفْرِيقٍ لَا يُكَفِّرُ بِهِ بَعْضُ الْفِرَقِ بَعْضًا، وَلَا يُفْضِي إِلَى تَقَاتُلٍ وَفِتَنٍ، فَهُوَ تَفْرِيقُ نَظَرٍ وَاسْتِدْلَالٍ وَتَطَلُّبٍ لِلْحَقِّ بِقَدْرِ الطَّاقَةِ وَكُلُّ تَفْرِيقٍ يُفْضِي بِأَصْحَابِهِ إِلَى تَكْفِيرِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، وَمُقَاتَلَةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا فِي أَمْرِ الدِّينِ، فَهُوَ مِمَّا حَذَّرَ اللَّهُ مِنْهُ، وَأَمَّا مَا كَانَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ نِزَاعًا عَلَى الْمُلْكِ وَالدُّنْيَا فَلَيْسَ تَفْرِيقًا فِي الدِّينِ، وَلَكِنَّهُ مِنَ الْأَحْوَالِ الَّتِي لَا تَسْلَمُ مِنْهَا الْجَمَاعَاتُ.

وَقَرَأَهُ الْجُمْهُورُ: فَرَّقُوا- بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ- وَقَرَأَهُ حَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ: فَارَقُوا- بِأَلْفٍ بَعْدِ الْفَاءِ- أَيْ تَرَكُوا دِينَهُمْ، أَيْ تَرَكُوا مَا كَانَ دِينًا لَهُمْ، أَيْ لِجَمِيعِ الْعَرَبِ، وَهُوَ الْحَنِيفِيَّةُ فَنَبَذُوهَا وَجَعَلُوهَا عِدَّةَ نِحَلٍ. وَمَآلُ الْقِرَاءَتَيْن وَاحِد.

[١٦٠]

[سُورَة الْأَنْعَام (٦) : آيَة ١٦٠]

مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلاَّ مِثْلَها وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (١٦٠)

مِنْ عَادَةِ الْقُرْآنِ أَنَّهُ إِذَا أَنْذَرَ أعقب الْإِنْذَار بِبِشَارَة لِمَنْ لَا يَحِقُّ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْإِنْذَارُ، وَإِذَا بَشَّرَ أعقب الْبشَارَة بنذارة لِمَنْ يَتَّصِفُ بِضِدِّ مَا بُشِّرَ عَلَيْهِ، وَقَدْ جَرَى عَلَى ذَلِكَ هَاهُنَا:

فَإِنَّهُ لَمَّا أَنْذَرَ الْمُؤْمِنِينَ وَحَذَّرَهُمْ مِنَ التَّرَيُّثِ فِي اكْتِسَابِ الْخَيْرِ، قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ اللَّهِ الْقَاهِرَةِ، بِقَوْلِهِ: