يَسْأَلُونَ، وَتَعَيَّنَ أَنَّ قَوْله:
لَا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً تَعْرِيضٌ بِالْمُلْحِفِينَ فِي السُّؤَالِ، أَيْ زِيَادَةُ فَائِدَةٍ فِي عَدَمِ السُّؤَالِ.
وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ.
أُعِيدَ التَّحْرِيضُ عَلَى الْإِنْفَاقِ فَذُكِرَ مَرَّةً رَابِعَةً، وَقَوْلُهُ: فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ كِنَايَةٌ عَنِ الْجَزَاءِ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْعِلْمَ يُكْنَى بِهِ عَنْ أَثَرِهِ كَثِيرًا، فَلَمَّا كَانَ الْإِنْفَاقُ مُرَغَّبًا فِيهِ مِنَ اللَّهِ، وَكَانَ عِلْمُ اللَّهِ بِذَلِكَ مَعْرُوفًا لِلْمُسْلِمِينَ، تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْإِخْبَارُ بِأَنَّهُ عَلِيمٌ بِهِ أَنَّهُ عَلِيمٌ بِامْتِثَالِ الْمُنْفِقِ، أَيْ فَهُوَ لَا يُضِيعُ أَجْرَهُ إِذْ لَا يَمْنَعُهُ مِنْهُ مَانِعٌ بَعْدَ كَوْنِهِ عَلِيمًا بِهِ، لِأَنَّهُ قَدِيرٌ عَلَيْهِ.
وَقَدْ حَصَلَ بِمَجْمُوعِ هَذِهِ الْمَرَّاتِ الْأَرْبَعِ مِنَ التَّحْرِيضِ مَا أَفَادَ شِدَّةَ فَضْلِ الْإِنْفَاقِ بِأَنَّهُ نَفْعٌ لِلْمُنْفِقِ، وَصِلَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ، وَنَوَالُ الْجَزَاءِ مِنَ اللَّهِ، وَأَنَّهُ ثَابِتٌ لَهُ فِي علم الله.
[٢٧٤]
[سُورَة الْبَقَرَة (٢) : آيَة ٢٧٤]
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٢٧٤)
جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ تُفِيدُ تَعْمِيمَ أَحْوَالِ فَضَائِلِ الْإِنْفَاقِ بَعْدَ أَنْ خُصِّصَ الْكَلَامُ بِالْإِنْفَاقِ
لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَاسْمُ الْمَوْصُولِ مُبْتَدَأٌ، وَجُمْلَةُ فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ.
وَأُدْخِلَ الْفَاءُ فِي خَبَرِ الْمَوْصُولِ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى تَسَبُّبِ اسْتِحْقَاقِ الْأَجْرِ عَلَى الْإِنْفَاقِ لِأَنَّ الْمُبْتَدَأَ لَمَّا كَانَ مُشْتَمِلًا عَلَى صِلَةٍ مَقْصُودٍ مِنْهَا التَّعْمِيمُ، وَالتَّعْلِيلُ، وَالْإِيمَاءُ إِلَى عِلَّةِ بِنَاءِ الْخَبَرِ عَلَى الْمُبْتَدَأِ- وَهِيَ يُنْفِقُونَ- صَحَّ إِدْخَالُ الْفَاءِ فِي خَبَرِهِ كَمَا تَدْخُلُ فِي جَوَابِ الشَّرْطِ لِأَنَّ أَصْلَ الْفَاءِ الدَّلَالَةُ عَلَى التَّسَبُّبِ وَمَا أُدْخِلَتْ فِي جَوَابِ الشَّرْطِ إِلَّا لِذَلِكَ.
وَالسِّرُّ: الْخَفَاءُ. وَالْعَلَانِيَةُ: الْجَهْرُ وَالظُّهُورُ. وَذُكِرَ عِنْدَ رَبِّهِمْ لِتَعْظِيمِ شَأْنِ الْأَجْرِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute