للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْأَفْعَالِ الَّتِي لَا يُتَطَلَّبُ لَهَا فَاعِلٌ، وَقَدْ تَكَوَّنَ لِهَذَا الْإِسْنَادِ هُنَا فَائِدَةٌ زَائِدَةٌ وَهِيَ الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّهُمْ لَا يَنْظُرُونَ إِلَى أَهْلِ النَّارِ إِلَّا نَظَرًا شَبِيهًا بِفِعْلِ مَنْ يَحْمِلُهُ عَلَى الْفِعْلِ حَامِلٌ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّفْسَ وَإِنْ كَانَتْ تَكْرَهُ الْمَنَاظِرَ السَّيِّئَةَ فَإِنَّ حُبَّ الِاطِّلَاعِ يَحْمِلُهَا عَلَى أَنْ تُوَجِّهَ النَّظَرَ إِلَيْهَا آوِنَةً لِتَحْصِيلِ مَا هُوَ مَجْهُولٌ لَدَيْهَا.

وَالتِّلْقَاءُ: مَكَانُ وُجُودِ الشَّيْءِ، وَهُوَ مَنْقُولٌ مِنَ الْمَصْدَرِ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى اللِّقَاءِ، لِأَنَّ

مَحَلَّ الْوُجُودِ مُلَاقٍ للموجود فِيهِ.

[٤٨، ٤٩]

[سُورَة الْأَعْرَاف (٧) : الْآيَات ٤٨ إِلَى ٤٩]

وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ قالُوا مَا أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (٤٨) أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (٤٩)

التَّعْرِيفُ فِي قَوْلِهِ: أَصْحابُ الْأَعْرافِ لِلْعَهْدِ بِقَرِينَةِ تَقَدُّمِ ذِكْرِهِ فِي قَوْلِهِ: وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ [الْأَعْرَافِ: ٤٦] وَبِقَرِينَةِ قَوْلِهِ هُنَا رِجالًا يَعْرِفُونَهُمْ إِذْ لَا يَسْتَقِيمُ أَنْ يَكُونَ أُولَئِكَ الرِّجَالُ يُنَادِيهِمْ جَمِيعُ مَنْ كَانَ عَلَى الْأَعْرَافِ، وَلَا أَنْ يَعْرِفَهُمْ بِسِيمَاهُمْ جَمِيعُ الَّذِينَ كَانُوا عَلَى الْأَعْرَافِ، مَعَ اخْتِلَافِ الْعُصُورِ وَالْأُمَمِ، فَالْمَقْصُودُ بِأَصْحَابِ الْأَعْرَافِ هُمُ الرِّجَالُ الَّذِينَ ذُكِرُوا فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ بِقَوْلِهِ: وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ [الْأَعْرَاف: ٤٦] كأنّه قِيلَ: وَنَادَى أُولَئِكَ الرِّجَالُ الَّذِينَ عَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالًا. وَالتَّعْبِيرُ عَنْهُمْ هُنَا بِأَصْحَابِ الْأَعْرَافِ إِظْهَارٌ فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ، إِذْ كَانَ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ أَنْ يُقَالَ. وَنَادَوْا رِجَالًا، إِلَّا أَنَّهُ لَمَّا تَعَدَّدَ فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ مَا يَصْلُحُ لِعَوْدِ الضَّمَائِرِ إِلَيْهِ وَقَعَ الْإِظْهَارُ فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ دَفْعًا لِلِالْتِبَاسِ.