للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْقُرْآنِ إِذْ كَانَتِ الْآيَةُ مُنْطَبِقَةً عَلَى الْوَاقِعِ التَّارِيخِيِّ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَمْوَاجَ أَلْقَتْ جُثَّتَهُ عَلَى السَّاحِلِ الْغَرْبِيِّ مِنَ الْبَحْرِ الْأَحْمَرِ فَعَثَرَ عَلَيْهِ الَّذِينَ خَرَجُوا يَتَقَصَّوْنَ آثَارَهُ مِمَّنْ بَقَوْا بَعْدَهُ بِمَدِينَةِ مصر

لما استبطأوا رُجُوعَهُ وَرُجُوعَ جَيْشِهِ، فَرَفَعُوهُ إِلَى الْمَدِينَةِ وَكَانَ عِبْرَة لَهُم.

[٩٣]

[سُورَة يُونُس (١٠) : آيَة ٩٣]

وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (٩٣)

عَطْفٌ عَلَى الْجُمَلِ الْمَاضِيَةِ فَإِنَّ جَمِيعَ تِلْكَ الْجُمَلِ مَقْصُودٌ مِنْهَا مَوْعِظَةُ الْكُفَّارِ مِنَ الْعَرَبِ بِأَحْوَالِ مَنْ سَبَقَهُمْ مِنَ الْأُمَمِ فِي مُشَابَهَةِ كُفْرِهِمْ بِكُفْرِهِمْ وَبِمَا حَلَّ بِهِمْ مِنْ أَنْوَاعِ الْعَذَابِ جَزَاءَ كُفْرِهِمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى: أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ [الْقَمَر: ٤٣] .

فَلَمَّا ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلَ السَّوْءِ أَتْبَعَهُ بِمَثَلِ الصَّلَاحِ بِحَالِ الَّذِينَ صَدَّقُوا الرَّسُولَ وَاتَّبَعُوهُ، وَكَيْفَ كَانَتْ عَاقِبَتُهُمِ الْحُسْنَى لِيَظْهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ مَصِيرَيْ فَرِيقَيْنِ جَاءَهُمْ رَسُولٌ فَآمَنَ بِهِ فَرِيقٌ وَكَفَرَ بِهِ فَرِيقٌ، لِيَكُونَ ذَلِكَ تَرْغِيبًا لِلْمُشْرِكِينَ فِي الْإِيمَانِ، وَبِشَارَةً لِلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ.

فَالْمُرَادُ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْقَوْمُ الْمُتَحَدَّثُ عَنْهُمْ بِقَوْلِهِ: وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ [يُونُس: ٩١] الْآيَةَ وَتَرْتِيبُ الْإِخْبَارِ يَقْتَضِي أَنَّ اللَّهَ بَوَّأَهُمْ مُبَوَّأَ صِدْقٍ عَقِبَ مُجَاوَزَتِهِمُ الْبَحْرَ غرق فِرْعَوْنَ وَجُنُودِهِ، فَإِنَّهُمْ دَخَلُوا بَعْدَ ذَلِكَ صَحْرَاءَ التِّيهِ وَأَمِنُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَأَقْبَلُوا عَلَى تَزْكِيَةِ نُفُوسهم وَإِصْلَاح شؤونهم، وَرُزِقُوا الْمَنَّ وَالسَّلْوَى، وَأُعْطُوا النَّصْرَ عَلَى الْأُمَمِ الَّتِي تَعَرَّضَتْ لَهُمْ تُحَاوِلُ مَنْعَهُمْ مِنِ امْتِلَاكِ الْأَرْضِ الطَّيِّبَةِ.

فَمَا زَالُوا يَتَدَرَّجُونَ فِي مَدَارِجِ الْخَيْرِ وَالْإِنْعَامِ فَذَلِكَ مُبَوَّأُ الصِّدْقِ.