للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَتَكُونُ هَذِهِ الْآيَةُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ:

وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ [الْأَنْعَام: ٣٤] . فَفِيهَا تأنيس للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَطْمِينٌ لَهُ وَلِلْمُؤْمِنِينَ بِحُلُولِ النَّصْرِ الْمَوْعُودِ بِهِ فِي إِبَّانِهِ.

وَقَوْلُهُ: وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ تَذْيِيلٌ لجملة: وتمت كَلِمَات رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ أَيْ: وَهُوَ الْمُطَّلِعُ عَلَى الْأَقْوَالِ، الْعَلِيمُ بِمَا فِي الضَّمَائِرِ، وَهَذَا تَعْرِيضٌ بِالْوَعِيدِ لِمَنْ يَسْعَى لِتَبْدِيلِ كَلِمَاتِهِ، فَالسَّمِيعُ الْعَالِمُ بِأَصْوَاتِ الْمَخْلُوقَاتِ، الَّتِي مِنْهَا مَا تُوحِي بِهِ شَيَاطِينُ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ، بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، فَلَا يَفُوتُهُ مِنْهَا شَيْءٌ وَالْعَالِمُ أَيْضًا بِمَنْ يُرِيدُ أَنْ يُبَدِّلَ كَلِمَاتِ اللَّهِ، عَلَى الْمَعَانِي الْمُتَقَدِّمَةِ، فَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ مَا يَخُوضُونَ فِيهِ:

مِنْ تَبْيِيتِ الْكَيْدِ وَالْإِبْطَالِ لَهُ.

وَالْعَلِيمُ أَعَمُّ، أَيْ: الْعَلِيمُ بِأَحْوَالِ الْخَلْقِ، وَالْعَلِيمُ بِمَوَاقِعِ كَلِمَاتِهِ، وَمَحَالِّ تَمَامِهَا، وَالْمُنَظِّمُ بِحِكْمَتِهِ لِتَمَامِهَا، وَالْمُوَقِّتُ لِآجَالِ وُقُوعِهَا.

فَذَكَرَ هَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ هُنَا: وَعِيدٌ لِمَنْ شَمِلَتْهُ آيَاتُ الذَّمِّ السَّابِقَةِ، وَوَعْدٌ لِمَنْ أُمِرَ بِالْإِعْرَاضِ عَنْهُمْ وَعَنِ افْتِرَائِهِمْ، وَبِالتَّحَاكُمِ مَعَهُمْ إِلَى اللَّهِ، وَالَّذِينَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ كِتَابه بالحقّ.

[١١٦]

[سُورَة الْأَنْعَام (٦) : آيَة ١١٦]

وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (١١٦)

أَعْقَبَ ذِكْرَ عِنَادِ الْمُشْرِكِينَ، وعداوتهم للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَوِلَايَتِهِمْ لِلشَّيَاطِينِ، وَرِضَاهُمْ بِمَا تُوَسْوِسُ لَهُمْ شَيَاطِينُ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، وَاقْتِرَافِهِمِ السَّيِّئَاتِ طَاعَةً