للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْمَعْنَى: أَنَّ اللَّهَ يُمْهِلُ الْأُمَّةَ عَلَى مَا هِيَ فِيهِ مِنَ الضَّلَالِ فَإِذَا أَرْسَلَ إِلَيْهَا رَسُولًا فَإِرْسَالُهُ أَمَارَةٌ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَادَ إِقْلَاعَهُمْ عَنِ الضَّلَالِ فَانْتَهَى أَمَدُ الْإِمْهَالِ بِإِبْلَاغِ الرَّسُولِ إِلَيْهِمْ مُرَادَ اللَّهِ مِنْهُمْ فَإِنْ أَطَاعُوهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَبِحُوا، وَإِنْ عَصَوْهُ وَشَاقُّوهُ قَضَى اللَّهُ بَيْنَ الْجَمِيعِ بِجَزَاءِ كُلٍّ قَضَاءَ حَقٍّ لَا ظُلْمَ فِيهِ وَهُوَ قَضَاءٌ فِي الدُّنْيَا.

وَقَدْ أَشْعَرَ قَوْلُهُ: قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِحُدُوثِ مُشَاقَّةٍ بَيْنَ الْكَافِرِينَ وَبَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَفِيهِمُ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَهَذَا تَحْذِيرٌ مِنْ مُشَاقَّةِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْذَارٌ لِأَهْلِ مَكَّةَ بِمَا نَالَهُمْ. وَقَدْ كَانَ مِنْ بَرَكَةِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَغْبَتِهِ أَنْ أَبْقَى اللَّهُ عَلَى الْعَرَبِ فَلَمْ يَسْتَأْصِلْهُمْ، وَلَكِنَّهُ أَرَاهُمْ بَطْشَتَهُ وَأَهْلَكَ قَادَتَهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ، ثُمَّ سَاقَهُمْ بِالتَّدْرِيجِ إِلَى حَظِيرَةِ الْإِسْلَامِ حَتَّى عَمَّهُمْ وَأَصْبَحُوا دُعَاتَهُ لِلْأُمَمِ وَحَمَلَةَ شَرِيعَتِهِ لِلْعَالَمِ.

وَلَمَّا أَشْعَرَ قَوْلُهُ: قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِأَنَّ الْقَضَاءَ قَضَاءُ زَجْرٍ لَهُمْ عَلَى مُخَالَفَةِ رَسُولِهِمْ وَأَنَّهُ عِقَابٌ شَدِيدٌ يَكَادُ مَنْ يَرَاهُ أَوْ يَسْمَعُهُ أَنْ يَجُولَ بِخَاطِرِهِ أَنَّهُ مُبَالَغٌ فِيهِ أُتِيَ بِجُمْلَةِ

وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ، وَهِيَ حَالٌ مُؤَكِّدَةٌ لِعَامِلِهَا الَّذِي هُوَ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ لِلْإِشْعَارِ بِأَنَّ الذَّنْبَ الَّذِي قُضِيَ عَلَيْهِمْ بِسَبَبِهِ ذَنْب عَظِيم.

[٤٨، ٤٩]

[سُورَة يُونُس (١٠) : الْآيَات ٤٨ إِلَى ٤٩]

وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤٨) قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعاً إِلاَّ مَا شاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (٤٩)

عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ [يُونُس: ٤٦] ، وَالْمُنَاسَبَةُ أَنَّهُ لَمَّا بَيَّنَتِ الْآيَةُ السَّالِفَةُ أَنَّ تَعْجِيلَ الْوَعِيدِ فِي الدُّنْيَا لَهُمْ وَتَأْخِيرَهُ سَوَاءٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، إِذِ الْوَعِيدُ الْأَتَمُّ هُوَ وَعِيدُ الْآخِرَةِ، أُتْبِعَتْ بِهَذِهِ الْآيَةِ حِكَايَةً لِتَهَكُّمِهِمْ عَلَى تَأْخِيرِ الْوَعِيدِ.