للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا الِاعْتِرَاضِ الِاحْتِرَاسُ مِنْ تَوَهُّمِهِمْ أَنَّهُمْ أَصْبَحُوا آمَنِينَ مِنَ الْمُؤَاخَذَةِ عَلَى عَدَمِ التَّذَكُّرِ.

فَحَرْفُ إِلَّا لِلِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ وَهُوَ بِمَعْنَى الِاسْتِدْرَاكِ.

وَالْمَعْنَى: لَكِنَّ مَنْ تَوَلَّى عَنِ التَّذَكُّرِ وَدَامَ عَلَى كُفْرِهِ يُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ.

وَدَخَلَتِ الْفَاءُ فِي الْخَبَرِ وَهُوَ فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ إِذْ كَانَ الْكَلَامُ اسْتِدْرَاكًا وَكَانَ الْمُبْتَدَأُ مَوْصُولًا فَأَشْبَهَ بِمَوْقِعِهِ وَبِعُمُومِهِ الشُّرُوطَ فَأُدْخِلَتِ الْفَاءُ فِي جَوَابِهِ وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:

وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ [مُحَمَّد: ٤] . والْأَكْبَرَ: مُسْتَعَارٌ لِلْقَوِيِّ الْمُتَجَاوِزِ حدّ أَنْوَاعه.

[٢٥، ٢٦]

[سُورَة الغاشية (٨٨) : الْآيَات ٢٥ إِلَى ٢٦]

إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ (٢٥) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ (٢٦)

تَعْلِيلٌ لِجُمْلَةِ: لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ [الغاشية: ٢٢] ، أَيْ لَسْتَ مُكَلَّفًا بِجَبْرِهِمْ عَلَى التَّذَكُّرِ وَالْإِيمَانِ لِأَنَّا نُحَاسِبُهُمْ حِينَ رُجُوعِهِمْ إِلَيْنَا فِي دَارِ الْبَقَاءِ. وَقَدْ جَاءَ حَرْفُ إِنَّ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ الْمَشْهُورِ، إِذَا جِيءَ بِهِ الْمُجَرّد الِاهْتِمَامِ دُونَ رَدِّ إِنْكَارٍ، فَإِنَّهُ يُفِيدُ مَعَ ذَلِكَ تَعْلِيلًا وَتَسَبُّبًا كَمَا تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٣٢] .

وَالْإِيَابُ: بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ الْأَوْبُ، أَيِ الرُّجُوعُ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي صَدَرَ عَنْهُ. أُطْلِقَ عَلَى الْحُضُورِ فِي حَضْرَةِ الْقُدُسِ يَوْمَ الْحَشْرِ تَشْبِيهًا لَهُ بِالرُّجُوعِ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ بِمُلَاحَظَةِ أَنَّ اللَّهَ خَالِقُ النَّاسِ خَلْقَهُمُ الْأَوَّلَ، فَشُبِّهَتْ إِعَادَةُ خَلْقِهِمْ وَإِحْضَارِهِمْ لَدَيْهِ بِرُجُوعِ الْمُسَافِرِ إِلَى مَقَرِّهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ [الْفجْر: ٢٧، ٢٨] .

وَتَقْدِيمُ خَبَرِ إِنَّ عَلَى اسْمِهَا يُظْهِرُ أَنَّهُ لِمُجَرَّدِ الِاهْتِمَامِ تَحْقِيقًا لِهَذَا الرُّجُوعِ لِأَنَّهُمْ

يُنْكِرُونَهُ، وَتَنْبِيهًا عَلَى إِمْكَانِهِ بِأَنَّهُ رُجُوعٌ إِلَى الَّذِي أَنْشَأَهُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ.

وَنُقِلَ الْكَلَامُ مِنْ أُسْلُوبِ الْغَيْبَةِ فِي قَوْلِهِ: فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ [الغاشية: ٢٤] إِلَى أُسْلُوبِ التَّكَلُّمِ بِقَوْلِهِ: إِلَيْنا عَلَى طَرِيقَةِ الِالْتِفَاتِ.