[سُورَة العنكبوت (٢٩) : آيَة ٦١]
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (٦١)
هَذَا الْكَلَامُ عَائِدٌ إِلَى قَوْلِهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ [العنكبوت: ٥٢] تَعْجِيبًا مِنْ نَقَائِضِ كُفْرِهِمْ، أَيْ هُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَإِنْ سَأَلَهُمْ سَائِلٌ عَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ يَعْتَرِفُوا بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ خَالِقُ ذَلِكَ وَلَا يُثْبِتُونَ لِأَصْنَامِهِمْ شَيْئًا مِنَ الْخَلْقِ فَكَيْفَ يَلْتَقِي هَذَا مَعَ ادِّعَائِهِمُ الْإِلَهِيَّةَ لِأَصْنَامِهِمْ. وَلِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ أَيْ كَيْفَ يُصْرَفُونَ عَنْ تَوْحِيدِ اللَّهِ وَعَنْ إِبْطَالِ إِشْرَاكِهِمْ بِهِ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا.
وَهَذَا الْإِلْزَامُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ إِذَا سُئِلُوا إِلَّا الِاعْتِرَافَ لِأَنَّهُ كَذَلِكَ فِي الْوَاقِعِ وَلِأَنَّ الْقُرْآنَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ كُلَّمَا نَزَلَ مِنْهُ شَيْءٌ يَتَعَلَّقُ بِهِمْ وَيَتْلُوهُ الْمُسْلِمُونَ عَلَى مَسَامِعِهِمْ فَلَوِ اسْتَطَاعُوا إِنْكَارَ مَا نُسِبَ إِلَيْهِمْ لَصَدَعُوا بِهِ.
وَضَمِيرُ جَمْعِ الْغَائِبِينَ عَائِدٌ إِلَى الَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ وَاسْتَعْجَلُوا بِالْعَذَابِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ. وَالِاسْتِفْهَامُ فِي قَوْلِهِ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ إِنْكَارٌ وَتَعْجِيبٌ.
وَتَخْصِيصُ تَسْخِيرِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ بِالذِّكْرِ مِنْ بَيْنِ مَظَاهِرِ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لِمَا فِي حَرَكَتِهِمَا مِنْ دَلَالَةٍ عَلَى عَظِيمِ الْقُدْرَةِ، مَعَ مَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْمِنَّةِ عَلَى النَّاسِ إِذْ نَاطَ بِحَرَكَتِهِمَا أَوْقَاتَ اللَّيْلِ وَالنَّهَار وَضبط الْمَشْهُور وَالْفُصُولِ.
وَتَسْخِيرُ الشَّيْءِ: إِلْجَاؤُهُ لِعَمَلٍ شَدِيدٍ. وَأَحْسَبُ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ سَوَاءٌ كَانَ الْمُسَخَّرُ- بِالْفَتْحِ- ذَا إِرَادَةٍ أَمْ كَانَ جَمَادًا. وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ فِي سُورَة الْأَعْرَاف [٥٤] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute