للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى كَأَيِّنْ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وكأين من نبيء قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ [١٤٦] .

وَقَوْلُهُ: وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا خَبَرٌ غَيْرُ مَقْصُودٍ مِنْهُ إِفَادَةُ الْحُكْمِ، بَلْ هُوَ مُسْتَعْمَلٌ مَجَازًا مُرَكَّبًا فِي لَازِمِ مَعْنَاهُ وَهُوَ الِاسْتِدْلَالُ عَلَى ضَمَانِ رِزْقِ الْمُتَوَكِّلِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. وَتَمْثِيلُهُ لِلتَّقْرِيبِ بِضَمَانِ رِزْقِ الدَّوَابِّ الْكَثِيرَةِ الَّتِي تَسِيرُ فِي الْأَرْضِ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا، وَهِيَ السَّوَائِمُ الْوَحْشِيَّةُ، وَالْقَرِينَةُ عَلَى هَذَا الِاسْتِعْمَالِ هُوَ قَوْلُهُ: اللَّهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ الَّذِي هُوَ اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ لِبَيَانِ وَجْهِ سَوْقِ قَوْلِهِ: وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا وَلِذَلِكَ عَطَفَ وَإِيَّاكُمْ عَلَى ضَمِيرِ دَابَّةٍ. وَالْمَقْصُودُ: التَّمْثِيلُ فِي التَّيْسِيرِ وَالْإِلْهَامِ لِلْأَسْبَابِ الْمُوصِلَةِ وَإِنْ كَانَتْ وَسَائِلُ الرِّزْقِ مُخْتَلِفَةٌ.

وَالْحَمْلُ فِي قَوْلِهِ: لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَعْمَلًا فِي حَقِيقَتِهِ، أَيْ تَسِيرُ غَيْرَ حَامِلَةٍ رِزْقَهَا لَا كَمَا تَسِيرُ دَوَابُّ الْقَوَافِلِ حَامِلَةً رِزْقَهَا، وَهُوَ عَلَفُهَا فَوْقَ ظُهُورِهَا بَلْ تَسِيرُ تَأْكُلُ مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ. وَيَجُوزُ أَنْ يُسْتَعْمَلَ مَجَازًا فِي التَّكَلُّفِ لَهُ، مِثْلَ قَوْلِ جَرِيرٍ:

حُمِّلْتَ أَمْرًا عَظِيمًا فَاصْطَبَرْتَ لَهُ أَيْ لَا تَتَكَلَّفُ لِرِزْقِهَا. وَهَذَا حَالُ مُعْظَمِ الدَّوَابِّ عَدَا النَّمْلَةِ وَالْفَارَةِ، قِيلَ وَبَعْضُ الطَّيْرِ كَالْعَقْعَقِ.

وَتَقْدِيمُ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ عَلَى الْخَبَرِ الْفِعْلِيِّ فِي قَوْلِهِ: اللَّهُ يَرْزُقُها دُونَ أَنْ يَقُولَ: يَرْزُقُهَا اللَّهُ، لِيُفِيدَ بِالتَّقْدِيمِ مَعْنَى الِاخْتِصَاصِ، أَيِ اللَّهُ يَرْزُقُهَا لَا غَيره، فَلَمَّا ذَا تَعْبُدُونَ أَصْنَامًا لَيْسَ بِيَدِهَا رِزْقٌ.

وَجُمْلَةُ: وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ: اللَّهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ. فَالْمَعْنَى:

اللَّهُ يَرْزُقُكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ لِدُعَائِكُمُ الْعَلِيمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ مِنَ الْإِخْلَاصِ لِلَّهِ فِي أَعْمَالِكُمْ وَتَوَكُّلِكُمْ وَرَجَائِكُمْ مِنْهُ الرزق.