للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَلَا تَتْرُكَنِّي بِالْوَعِيدِ كَأَنَّنِي ... إِلَى النَّاسِ مَطْلِيٌّ بِهِ الْقَارُ أَجْرَبُ

بِتَشْبِيهِ إِبْقَاءِ تِلْكَ الْحَالَةِ فِيهِ بِالشَّيْءِ الْمَتْرُوكِ فِي مَكَانٍ. وَوَجْهُ الشَّبَهِ عَدَمُ التَّغَيُّرِ.

وَالتَّرْكُ فِي الْآيَةِ: كِنَايَةٌ عَنْ إِبْقَاءِ الشَّيْءِ فِي مَوْضِعٍ دُونَ مُفَارَقَةِ التَّارِكِ، أَوْ هُوَ مَجَازٌ مُرْسَلٌ فِي ذَلِكَ فَيَكُونُ نَظِيرَ مَا فِي بَيت النَّابِغَة.

ولِلَّذِينَ يَخافُونَ الْعَذابَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ بِالْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِ الْكِتَابِ دُونَ الْمُشْرِكِينَ فَإِنَّهُمْ لَمَّا لَمْ يَنْتَفِعُوا بِدِلَالَةِ مَوَاقِعِ الِاسْتِئْصَالِ عَلَى أَسْبَابِ ذَلِكَ الِاسْتِئْصَالِ نُزِّلَتْ دِلَالَةُ آيَتِهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِمْ مَنْزِلَةَ مَا لَيْسَ بِآيَةٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى: فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ [ق: ٤٥] .

وَالْمَعْنَى: أَنَّ الَّذِينَ يَخَافُونَ اتَّعَظُوا بِآيَةِ قَوْمِ لُوطٍ فَاجْتَنَبُوا مثل أَسبَاب إهلاكهم، وَأَنَّ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَا يَتَّعِظُونَ فَيُوشِكُ أَنْ يَنْزِلَ عَلَيْهِمْ عَذَاب أَلِيم.

[٣٨- ٤٠]

[سُورَة الذاريات (٥١) : الْآيَات ٣٨ إِلَى ٤٠]

وَفِي مُوسى إِذْ أَرْسَلْناهُ إِلى فِرْعَوْنَ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (٣٨) فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقالَ ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (٣٩) فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ (٤٠)

قَوْلُهُ: وَفِي مُوسى عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ: فِيها آيَةً [الذاريات: ٣٧] .

وَالتَّقْدِيرُ: وَتَرَكْنَا فِي مُوسَى آيَةً، فَهَذَا الْعَطْفُ مِنْ عَطْفِ جُمْلَةٍ عَلَى جُمْلَةٍ لِتَقْدِيرِ فِعْلِ: تَرَكْنَا، بَعْدَ وَاوِ الْعَطْفِ، وَالْكَلَامُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ فِي قِصَّةِ مُوسَى حِينَ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بَسُلْطَانٍ مُبِينٍ فَتَوَلَّى إِلَخْ، فَيَكُونُ التَّرْكُ الْمُقَدَّرُ فِي حَرْفِ الْعَطْفِ مُرَادًا بِهِ جَعْلُ الدَّلَالَةِ بَاقِيَةً فَكَأَنَّهَا مَتْرُوكَةٌ فِي الْمَوْضِعِ لَا تُنْقَلُ مِنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا فِي بَيْتِ عَنْتَرَةَ.

وَأَعْقَبَ قِصَّةَ قَوْمِ لُوطٍ بِقِصَّةِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ لِشُهْرَةِ أَمْرِ مُوسَى وَشَرِيعَتِهِ، فَالتَّرْكُ الْمُقَدَّرُ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَجَازَيْهِ الْمُرْسَلِ وَالِاسْتِعَارَةِ. وَفِي الْوَاوِ اسْتِخْدَامٌ مِثْلُ اسْتِخْدَامِ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِ مُعَاوِيَةَ بْنِ مَالِكٍ الْمُلَقَّبِ مُعَوِّدِ الْحُكَمَاءِ (لَقَّبُوهُ بِهِ لِقَوْلِهِ فِي ذِكْرِ قَصِيدَتِهِ) :