للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أُعَوِّدُ مِثْلَهَا الْحُكَمَاءَ بَعْدِي ... إِذَا مَا الْحَقُّ فِي الْحَدَثَانِ نَابَا

إِذَا نَزَلَ السَّمَاءُ بِأْرِضِ قَوْمٍ ... رَعَيْنَاهُ وَإِنْ كَانُوا غِضَابَا

وَالْمَعْنَى: أَنَّ قِصَّةَ مُوسَى آيَةٌ دَائِمَةٌ. وَعُقِّبَتْ قِصَّةُ قَوْمِ لُوطٍ بِقِصَّةِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ تَنَاسُبٍ فِي أَنَّ الْعَذَابَ الَّذِي عُذِّبَ بِهِ الْأُمَّتَانِ عَذَابٌ أَرْضِيٌّ إِذْ عُذِّبَ قَوْمُ لُوطٍ بِالْحِجَارَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ طِينٍ، وَعُذِّبَ قَوْمُ فِرْعَوْنَ بِالْغَرَقِ فِي الْبَحْرِ، ثُمَّ ذُكِرَ عَادٌ وَثَمُودُ وَكَانَ عَذَابُهُمَا سَمَاوِيًّا إِذْ عُذِّبَتْ عَادٌ بِالرِّيحِ وَثَمُودُ بِالصَّاعِقَةِ.

وَالسُّلْطَانُ الْمُبِينُ: الْحُجَّةُ الْوَاضِحَةُ وَهِيَ الْمُعْجِزَاتُ الَّتِي أَظْهَرَهَا لِفِرْعَوْنَ مِنِ انْقِلَابِ الْعَصَا حَيَّةً، وَمَا تَلَاهَا مِنَ الْآيَاتِ الثَّمَانِ.

وَالتَّوَلِّي حَقِيقَتُهُ: الِانْصِرَافُ عَنِ الْمَكَانِ. وَالرُّكْنُ حَقِيقَتُهُ: مَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ مِنْ بِنَاءٍ وَنَحْوِهِ، وَيُسَمَّى الْجَسَدُ رُكْنًا لِأَنَّهُ عِمَادُ عَمَلِ الْإِنْسَانِ.

وَقَوْلُهُ: فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ تَمْثِيلٌ لِهَيْئَةِ رَفْضِهِ دَعْوَةَ مُوسَى بِهَيْئَةِ الْمُنْصَرِفِ عَنْ شَخْصٍ.

وَبِإِيرَادِ قَوْلِهِ: بِرُكْنِهِ تَمَّ التَّمْثِيلُ وَلَوْلَاهُ لَكَانَ قَوْله: فَتَوَلَّى مُجَرَّدَ اسْتِعَارَةٍ.

وَالْبَاءُ لَلْمُلَابَسَةِ، أَيْ مُلَابِسًا رُكْنَهُ كَمَا فِي قَوْلِهِ: أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ [الْإِسْرَاء:

٨٣] .

وَالْمُلِيمُ: الَّذِي يَجْعَلُ غَيْرَهُ لَائِمًا عَلَيْهِ، أَيْ وَهُوَ مُذْنِبٌ ذَنْبًا يَلُومُهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، أَيْ

يُؤَاخِذُهُ بِهِ. وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ مُسْتَوْجِبٌ الْعِقَابَ كَمَا قَالَ: فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ [إِبْرَاهِيم: ٢٢] .

وَالْمعْنَى: أَن فِي قِصَّةَ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ آيَةٌ لَلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ فَيَجْتَنِبُونَ مِثْلَ أَسْبَابِ مَا حَلَّ بِفِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ مِنَ الْعَذَابِ وَهِيَ الْأَسْبَابُ الَّتِي ظَهَرَتْ فِي مُكَابَرَةِ فِرْعَوْنَ عَنْ تَصْدِيقِ الرَّسُولِ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْهِ، وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يَخَافُونَ الْعَذَابَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ لَا يَتَّعِظُونَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ لَا يُصَدِّقُونَ بِالنَّوَامِيسِ الْإِلَهِيَّةِ وَلَا يَتَدَبَّرُونَ فِي دَعْوَةِ أَهْلِ الْحَقِّ فَهُمْ لَا يَزَالُونَ مُعْرِضِينَ سَاخِرِينَ عَنْ