للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَمِنَ الضَّبْطِ فِيمَا يَجْرِي عَلَى يَدَيْهِ بِحَيْثُ لَا تَضِيعُ الْمَصَالِحُ الْعَامَّةُ وَلَا الْخَاصَّةُ بِأَنْ يَكُونَ مَا يُصْدِرُهُ مَكْتُوبًا، أَوْ كَالْمَكْتُوبِ مَضْبُوطًا لَا يُسْتَطَاعُ تَغْيِيرُهُ، وَيُمْكِنُ لِكُلِّ مَنْ يَقُومُ بِذَلِكَ الْعَمَلِ بَعْدَ الْقَائِمِ بِهِ، أَوْ فِي مَغِيبِهِ أَنْ يُعْرَفَ مَاذَا أُجْرِي فِيهِ مِنَ الْإِعْمَالِ، وَهَذَا أَصْلٌ عَظِيمٌ فِي وَضْعِ الْمَلَفَّاتِ لِلنَّوَازِلِ وَالتَّرَاتِيبِ، وَمِنْهُ نَشَأَتْ دَوَاوِينُ الْقُضَاةِ، وَدَفَاتِرُ الشُّهُودِ، وَالْخِطَابُ عَلَى الرُّسُومِ، وَإِخْرَاجُ نُسَخِ الْأَحْكَامِ وَالْأَحْبَاسِ وَعُقُودِ النِّكَاحِ.

وَمِنْ إِحَاطَةِ الْعِلْمِ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَحْوَالِ الَّتِي تُسْنَدُ إِلَى الْمُؤْتَمَنِ عَلَيْهَا بِحَيْثُ لَا يَسْتَطِيعُ

أحد من المخالطين لوظيفه أَنْ يُمَوِّهَ عَلَيْهِ شَيْئًا، أَوْ أَنْ يَلْبِسَ عَلَيْهِ حَقِيقَةً بِحَيْثُ يَنْتَفِي عَنْهُ الْغَلَطُ وَالْخَطَأُ فِي تَمْيِيزِ الْأُمُورِ بِأَقْصَى مَا يُمْكِنُ، وَيَخْتَلِفُ الْعِلْمُ الْمَطْلُوبُ بِاخْتِلَافِ الْأَعْمَالِ فَيُقَدَّمُ فِي كُلِّ وِلَايَةٍ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تَقْتَضِيهِ وِلَايَتُهُ مِنَ الْأَعْمَالِ وَمَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوَاهِبِ وَالدِّرَايَةِ، فَلَيْسَ مَا يُشْتَرَطُ فِي الْقَاضِي يُشْتَرَطُ فِي أَمِيرِ الْجَيْشِ مَثَلًا، وَبِمِقْدَارِ التَّفَاوُتِ فِي الْخِصَالِ الَّتِي تَقْتَضِيهَا إِحْدَى الْوَلَايَاتِ يَكُونُ تَرْجِيحُ مَنْ تُسْنَدُ إِلَيْهِ الْوَلَايَةُ عَلَى غَيْرِهِ حِرْصًا عَلَى حِفْظِ مَصَالِحِ الْأُمَّةِ، فَيُقَدَّمُ فِي كُلِّ وِلَايَةٍ مَنْ هُوَ أَقْوَى كَفَاءَةً لِإِتْقَانِ أَعْمَالِهَا وَأَشَدُّ اضطلاعا بممارستها.

[١٣- ١٦]

[سُورَة الانفطار (٨٢) : الْآيَات ١٣ إِلَى ١٦]

إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ (١٣) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (١٤) يَصْلَوْنَها يَوْمَ الدِّينِ (١٥) وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ (١٦)

فُصِلَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ عَنِ الَّتِي قَبْلَهَا لِأَنَّهَا اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ يَخْطُرُ فِي نَفْسِ السَّامِعِ يُثِيرُهُ قَوْلُهُ: بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ [الانفطار: ٩، ١٠] الْآيَةَ لِتَشَوُّفِ النَّفْسِ إِلَى مَعْرِفَةِ هَذَا الْجَزَاءِ مَا هُوَ، وَإِلَى مَعْرِفَةِ غَايَةِ إِقَامَةِ الْمَلَائِكَةِ لِإِحْصَاءِ الْأَعْمَالِ مَا هِيَ، فَبُيِّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ الْآيَةَ.

وَأَيْضًا تَتَضَمَّنُ هَذِهِ الْجُمْلَةُ تَقْسِيمَ أَصْحَابِ الْأَعْمَالِ فَهِيَ تَفْصِيلٌ لِجُمْلَةِ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ [الانفطار: ١٢] وَذَلِكَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ فَصْلِ الْجُمْلَةِ عَنِ الَّتِي قَبْلَهَا.

وَجِيءَ بِالْكَلَامِ مُؤَكَّدًا ب إِنَّ وَلَا الِابْتِدَاءِ لِيُسَاوِيَ الْبَيَانُ مَبِيِّنَهُ فِي التَّحْقِيقِ وَدَفْعِ الْإِنْكَارِ.