وَتَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى:
وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ فِي [سُورَةِ الْبَقَرَةِ: ١٤٥] .
وَالْمَرِيدُ: صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ مِنْ مَرُدَ- بِضَمِّ الرَّاءِ- عَلَى عَمَلٍ، إِذَا عَتَا فِيهِ وَبَلَغَ الْغَايَةَ الَّتِي تَتَجَاوَزُ مَا يَكُونُ عَلَيْهِ أَصْحَابُ ذَلِكَ الْعَمَلِ، وَكَأَنَّهُ مُحَوَّلٌ مِنْ مَرَدَ بِفَتْحِ الرَّاءِ- بِمَعْنَى مَرَنَ- إِلَى ضَمِّ الرَّاءِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ الْوَصْفَ صَارَ لَهُ سَجِيَّةً، فَالْمَرِيدُ صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ، أَيِ الْعَاتِي فِي الشيطنة.
[٤]
[سُورَة الْحَج (٢٢) : آيَة ٤]
كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلاَّهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ (٤)
جُمْلَةُ كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ إِلَى آخِرِهَا صِفَةٌ ثَانِيَةٌ لِ شَيْطانٍ مَرِيدٍ [الْحَج: ٣] ، فَالضَّمِيرُ الْمَجْرُورُ عَائِدٌ إِلَى شَيْطانٍ. وَكَذَلِكَ الضَّمَائِرُ فِي أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ.
وَأَمَّا الضَّمِيرَانِ الْبَارِزَانِ فِي قَوْلِهِ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ فَعَائِدَانِ إِلَى (مَنْ) الْمَوْصُولَةِ، أَيْ يُضِلُّ الشَّيْطَانُ مُتَوَلِّيَهُ عَنِ الْحَقِّ وَيَهْدِي مُتَوَلِّيَهُ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ.
وَاتَّفَقَتِ الْقِرَاءَاتُ الْعَشْرُ عَلَى قِرَاءَةِ كُتِبَ- بِضَمِّ الْكَافِ- عَلَى أَنَّهُ مَبْنِيٌّ لِلنَّائِبِ.
وَاتَّفَقَتْ أَيْضًا عَلَى- فَتْحِ الْهَمْزَتَيْنِ- مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ.
وَالْكِتَابَةُ مُسْتَعَارَةٌ لِلثُّبُوتِ وَاللُّزُومِ، أَيْ لَزِمَهُ إِضْلَالُ مُتَوَلِّيهِ وَدَلَالَتُهُ عَلَى عَذَابِ السَّعِيرِ، فَأُطْلِقَ عَلَى لُزُومِ ذَلِكَ فِعْلُ كُتِبَ عَلَيْهِ أَيْ وَجَبَ عَلَيْهِ، فَقَدْ شَاعَ أَنَّ الْعَقْدَ إِذَا أُرِيدَ تَحْقِيقُ الْعَمَلِ بِهِ وَعَدَمُ الْإِخْلَالِ بِهِ كُتِبَ فِي صَحِيفَةٍ. قَالَ الْحَارِثُ بْنُ حِلِّزَةَ:
وَهَلْ يَنْقُضُ مَا فِي الْمَهَارِقِ الْأَهْوَاءُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute