ادِّعَائِكُمْ أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ مَجْنُونٍ أَوْ كَلَامُ كَاهِنٍ، فَمَاذَا تَدَّعُونَ بَعْدَ ذَلِكَ.
وَاعْلَمْ أَنَّ جُمْلَةَ «أَيْنَ تَذْهَبُونَ» قَدْ أُرْسِلَتْ مَثَلًا، وَلَعَلَّهُ مِنْ مُبْتَكَرَاتِ الْقُرْآنِ وَكُنْتُ رَأَيْتُ فِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ: أَيْنَ يَذْهَبُ بِكَ، لِمَنْ كَانَ فِي خطأ وعماية.
[٢٧، ٢٨]
[سُورَة التكوير (٨١) : الْآيَات ٢٧ إِلَى ٢٨]
إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (٢٧) لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (٢٨)
بَعْدَ أَنْ أَفَاقَهُمْ مِنْ ضَلَالَتِهِمْ أَرْشَدَهُمْ إِلَى حَقِيقَةِ الْقُرْآنِ بِقَوْلِهِ: إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ تَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْمُؤَكِّدَةِ لِجُمْلَةِ: وَما هُوَ بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ [التكوير: ٢٥] وَلِذَلِكَ جُرِّدَتْ عَنِ الْعَاطِفِ، ذَلِكَ أَنَّ الْقَصْرَ الْمُسْتَفَادَ مِنَ النَّفْيِ وَالِاسْتِثْنَاءِ فِي قَوْلِهِ: إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ يُفِيدُ قَصْرَ الْقُرْآنِ عَلَى صِفَةِ الذِّكْرِ، أَيْ لَا غَيْرَ ذَلِكَ وَهُوَ قَصْرٌ إِضَافِيٌّ قُصِدَ مِنْهُ إِبْطَالُ أَنْ يَكُونَ قَوْلَ شَاعِرٍ، أَوْ قَوْلَ كَاهِنٍ، أَوْ قَوْلَ مَجْنُونٍ، فَمِنْ جُمْلَةِ مَا أَفَادَهُ الْقَصْرُ نَفْيُ أَنْ يَكُونَ قَوْلَ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ، وَبِذَلِكَ كَانَ فِيهِ تَأْكِيدٌ لِجُمْلَةِ: وَما هُوَ بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ وَالذِّكْرُ اسْمٌ يَجْمَعُ مَعَانِيَ الدُّعَاءِ وَالْوَعْظِ بِحُسْنِ الْأَعْمَالِ وَالزَّجْرَ عَنِ الْبَاطِلِ وَعَنِ الضَّلَالِ، أَيْ مَا الْقُرْآنُ إِلَّا تَذْكِيرٌ لِجَمِيعِ النَّاسِ يَنْتَفِعُونَ بِهِ فِي صَلَاحِ اعْتِقَادِهِمْ، وَطَاعَةِ اللَّهِ رَبِّهِمْ، وَتَهْذِيبِ أَخْلَاقِهِمْ، وَآدَابِ بَعْضِهِمْ مَعَ بَعْضٍ، وَالْمُحَافَظَةِ عَلَى حُقُوقِهِمْ، وَدَوَامِ انْتِظَامِ جَمَاعَتِهِمْ، وَكَيْفَ يُعَامِلُونَ غَيْرَهُمْ مِنَ الْأُمَمِ الَّذِينَ لَمْ يَتَّبِعُوهُ.
فَ «الْعَالَمِينَ» يَعُمُّ كُلَّ الْبَشَرِ لِأَنَّهُمْ مَدْعُوُّونَ لِلِاهْتِدَاءِ بِهِ وَمُسْتَفِيدُونَ مِمَّا جَاءَ فِيهِ.
فَإِنْ قُلْتَ: الْقُرْآنُ يَشْتَمِلُ عَلَى أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأُمَمِ وَهُوَ أَيْضًا مُعْجِزَةٌ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَيْفَ قُصِرَ عَلَى كَوْنِهِ ذِكْرًا.
قُلْتُ: الْقَصْرُ الْإِضَافِيُّ لَا يُقْصَدُ مِنْهُ إِلَّا تَخْصِيصُ الصِّفَةِ بِالْمَوْصُوفِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى صِفَةٍ أُخْرَى خَاصَّةٍ، عَلَى أَنَّكَ لَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْقَصْرَ حَقِيقِيًّا مُفِيدًا قَصْرَ الْقُرْآنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute