[سُورَة الْإِنْسَان (٧٦) : الْآيَات ١٥ إِلَى ١٦]
وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ كانَتْ قَوارِيرَا (١٥) قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوها تَقْدِيراً (١٦)
عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ [الْإِنْسَان: ٥] إِلَخْ كَمَا اقْتَضَاهُ التَّنَاسُبُ بَيْنَ جُمْلَةِ يَشْرَبُونَ وَجُمْلَةِ يُطافُ عَلَيْهِمْ فِي الْفِعْلِيَّةِ وَالْمُضَارِعِيَّةِ، وَذَلِكَ مِنْ أَحْسَنِ أَحْوَالِ الْوَصْلِ، عَادَ الْكَلَامُ إِلَى صِفَةِ مَجَالِسِ شَرَابِهِمْ.
وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ بَيَانٌ لِمَا أُجْمِلَ فِي جُمْلَةِ إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ [الْإِنْسَان: ٥] ، وَإِنَّمَا عُطِفَتْ عَلَيْهَا لِمَا فِيهَا مِنْ مُغَايَرَةٍ مَعَ الْجُمْلَةِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهَا مِنْ صِفَةِ آنِيَةِ الشَّرَابِ،
فَلِهَذِهِ الْمُنَاسَبَةِ أَعْقَبَ ذِكْرَ مَجَالِسِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَمُتَّكَآتِهِمْ، بِذِكْرِ مَا يَسْتَتْبِعُهُ مِمَّا تَعَارَفَهُ أَهْلُ الدُّنْيَا مِنْ أَحْوَالِ أَهْلِ الْبَذَخِ وَالتَّرَفِ وَاللَّذَّاتِ بِشُرْبِ الْخَمْرِ إِذْ يُدِيرُ عَلَيْهِمْ آنِيَةَ الْخَمْرِ سُقَاةٌ.
وَإِذْ قَدْ كَانَ ذَلِكَ مَعْرُوفًا لَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ إِلَى ذِكْرِ فَاعِلِ الطَّوَافِ فَبُنِيَ لِلنَّائِبِ.
وَهَذَا وَعْدٌ لَهُمْ بِإِعْطَاءِ مُتَمَنَّاهُمْ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَزِيدٍ عَلَيْهِ مِنْ نَعِيمِ الْجَنَّةِ «مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ» .
وَالطَّوَافُ: مَشْيٌ مُكَرَّرٌ حَوْلَ شَيْءٍ أَوْ بَيْنَ أَشْيَاءَ، فَلَمَّا كَانَ أَهْلُ الْمُتَّكَأِ جَمَاعَةً كَانَ دَوَرَانُ السِّقَاءِ بِهِمْ طَوَافًا. وَقَدْ سَمَّوْا سَقْيَ الْخَمْرِ: إِدَارَةَ الْخَمْرِ، أَوْ إِدَارَةَ الْكَأْسِ.
وَالسَّاقِي: مُدِيرُ الْكَأْسِ، أَوْ مُدِيرُ الْجَامِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ.
وَالْآنِيَةُ: جمع إِنَاء ممدودا بِوَزْنِ أَفْعِلَةٍ مِثْلَ كِسَاءٍ وَأَكْسِيَةٍ وَوِعَاءٍ وَأَوْعِيَةٍ اجْتَمَعَ فِي أَوَّلِ الْجَمْعِ هَمْزَتَانِ مَزِيدَةٌ وَأَصْلِيَّةٌ فَخُفِفَتْ ثَانِيَتُهُمَا أَلِفًا.
وَالْإِنَاءُ: اسْمٌ لِكُلِّ وعَاء يرتفق لَهُ، وَقَالَ الرَّاغِبُ: مَا يُوضَعُ فِيهِ الشَّيْءُ اهـ فَيَظْهَرُ أَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى كُلِّ وِعَاءٍ يُقْصَدُ لِلِاسْتِعْمَالِ وَالْمُدَاوَلَةِ لِلْأَطْعِمَةِ وَالْأَشْرِبَةِ وَنَحْوِهِمَا سَوَاءً كَانَ مِنْ خَشَبٍ أَوْ مَعْدِنٍ أَوْ فَخَّارٍ أَوْ أَدِيمٍ أَوْ زُجَاجٍ، يُوضَعُ فِيهِ مَا يُشْرَبُ أَو مَا يُؤْكَل، أَوْ يُطْبَخُ فِيهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُطْلَقُ عَلَى مَا يُجْعَلُ لِلْخَزْنِ فَلَيْسَتِ الْقِرْبَةُ بِإِنَاءٍ وَلَا الْبَاطِيَةُ بِإِنَاءٍ، وَالْكَأْسُ إِنَاءٌ وَالْكُوزُ إِنَاءٌ وَالْإِبْرِيقُ إِنَاءٌ وَالصَّحْفَةُ إِنَاءٌ.
وَالْمُرَادُ هُنَا: آنِيَةُ مَجَالِسِ شَرَابِهِمْ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ذِكْرُ الْأَكْوَابِ وَذَلِكَ فِي عُمُومِ