لِقَوْلِهِ تَعَالَى: سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ إِذْ يُنَاسِبُهُ مَعْنَى الْمُتَعَدِّي لِأَنَّ الْجَزَاءَ عَلَى إِعْرَاضِهِمْ وَعَلَى صَدِّهِمُ النَّاسَ عَنِ الْآيَاتِ، فَإِنَّ تَكْذِيبَهُمْ بِالْآيَاتِ يَتَضَمَّنُ إِعْرَاضَهُمْ عَنْهَا فَنَاسَبَ أَنْ يَكُونَ صَدْفُهُمْ هُوَ صَرْفُهُمُ النَّاسَ.
وسُوءَ الْعَذابِ مِنْ إِضَافَةِ الصِّفَةِ إِلَى الْمَوْصُوفِ، وَسُوءُهُ أَشَدُّهُ وَأَقْوَاهُ، وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ بِما كانُوا يُفْسِدُونَ [النَّحْل: ٨٨] . فَقَوْلُهُ: عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ هُوَ مُضَاعَفَةُ الْعَذَابِ، أَيْ شِدَّتُهُ.
وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ عَذَابُ الدُّنْيَا بِالْقَتْلِ وَالذُّلِّ، وَعَذَابُ الْآخِرَةِ، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ جَزَاءَهُمْ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُكَذِّبُوا تَكْذِيبًا عَنْ دَعْوَةٍ مُجَرَّدَةٍ، بَلْ كَذَّبُوا بَعْدَ أَنْ جَاءَتْهُمُ الْآيَات البيّنات.
و (مَا) مَصْدَرِيَّةٌ: أَيْ بِصَدْفِهِمْ وَإِعْرَاضِهِمْ عَنِ الْآيَاتِ إِعْرَاضًا مُسْتَمِرًّا لَمْ يدعوا راغبه فَكَانَ هُنَا مُفِيدَةٌ لِلِاسْتِمْرَارِ مِثْلُ: وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [النِّسَاء: ٩٦] .
[١٥٨]
[سُورَة الْأَنْعَام (٦) : آيَة ١٥٨]
هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (١٥٨)
اسْتِئْنَافٌ بياني نَشأ فِي قَوْلِهِ: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللَّهِ [الْأَنْعَام: ١٥٧] الْآيَةَ، وَهُوَ يَحْتَمِلُ الْوَعِيدَ وَيَحْتَمِلُ التَّهَكُّمَ، كَمَا سَيَأْتِي. فَإِنْ كَانَ هَذَا وَعِيدًا وتهديدا فَهُوَ ناشىء
عَنْ جُمْلَةِ: سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا [الْأَنْعَام: ١٥٧] لِإِثَارَتِهِ سُؤَالَ سَائِلٍ يَقُولُ:
مَتَى يَكُونُ جَزَاؤُهُمْ، وَإِنْ كَانَ تَهَكُّمًا بِهِمْ عَلَى صَدْفِهِمْ عَنِ الْآيَاتِ الَّتِي جَاءَتْهُمْ، وَتَطَلُّعِهِمْ إِلَى آيَاتٍ أَعْظَمَ مِنْهَا فِي اعْتِقَادهم، فَهُوَ ناشىء عَنْ جُمْلَةِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute