[سُورَة التَّوْبَة (٩) : آيَة ٣٣]
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (٣٣)
بَيَانٌ لِجُمْلَةِ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ [التَّوْبَة: ٣٢] بِأَنَّهُ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِهَذَا الدِّينِ، فَلَا يُرِيدُ إِزَالَتَهُ، وَلَا يَجْعَلُ تَقْدِيرَهُ بَاطِلًا وَعَبَثًا. وَفِي هَذَا الْبَيَانِ تَنْوِيهٌ بِشَأْنِ الرَّسُولِ بَعْدَ التَّنْوِيهِ بِشَأْنِ الدِّينِ.
وَفِي قَوْلِهِ: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ صِيغَةُ قَصْرٍ، أَيْ هُوَ لَا غَيْرُهُ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِهَذَا
النُّورِ، فَكَيْفَ يَتْرُكُ مُعَانِدِيهِ يُطْفِئُونَهُ.
وَاجْتِلَابُ اسْمُ الْمَوْصُولِ: لِلْإِيمَاءِ إِلَى أَنَّ مَضْمُونَ الصِّلَةِ عِلَّةٌ لِلْجُمْلَةِ الَّتِي بُنِيَتْ عَلَيْهَا هَذِهِ الْجُمْلَةُ وَهِيَ جُمْلَةٌ: وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ [التَّوْبَة: ٣٢] .
وَعَبَّرَ عَنِ الْإِسْلَامِ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ تَنْوِيهًا بِفَضْلِهِ، وَتَعْرِيضًا بِأَنَّ مَا هُمْ عَلَيْهِ لَيْسَ بِهُدًى وَلَا حَقٍّ.
وَفِعْلُ الْإِظْهَارِ إِذَا عُدِّيَ بِ عَلَى كَانَ مُضَمَّنًا مَعْنَى النَّصْرِ، أَوِ التَّفْضِيلِ، أَيْ لِيَنْصُرَهُ عَلَى الْأَدْيَانِ كُلِّهَا، أَيْ لِيَكُونَ أَشْرَفَ الْأَدْيَانِ وَأَغْلَبَهَا، وَمِنْهُ الْمُظَاهَرَةُ أَيِ الْمُنَاصَرَةُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا آنِفًا عِنْدَ قَوْلِهِ: وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً [التَّوْبَة: ٤] .
فَالْإِسْلَامُ كَانَ أَشْرَفَ الْأَدْيَانِ: لِأَنَّ مُعْجِزَةَ صِدْقِهِ الْقُرْآنُ، وَهُوَ مُعْجِزَةٌ تُدْرَكُ بِالْعَقْلِ، وَيَسْتَوِي فِي إِدْرَاكِ إِعْجَازِهَا جَمِيعُ الْعُصُورِ، وَلِخُلُوِّ هَذَا الدِّينِ عَنْ جَمِيعِ الْعُيُوبِ فِي الِاعْتِقَادِ وَالْفِعْلِ، فَهُوَ خَلِيٌّ عَنْ إِثْبَاتِ مَا لَا يَلِيقُ بِاللَّهِ تَعَالَى، وَخَلِيٌّ عَنْ وَضْعِ التَّكَالِيفِ الشَّاقَّةِ، وَخَلِيٌّ عَنِ الدَّعْوَةِ إِلَى الْإِعْرَاضِ عَنِ اسْتِقَامَةِ نِظَامِ الْعَالَمِ، وَقَدْ فَصَّلْتُ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ الَّذِي سَمَّيْتُهُ «أُصُولَ النِّظَامِ الِاجْتِمَاعِيِّ فِي الْإِسْلَامِ» .
وَظُهُورُ الْإِسْلَامِ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ حَصَلَ فِي الْعَالَمِ بِاتِّبَاعِ أَهْلِ الْمِلَلِ إِيَّاهُ فِي سَائِرِ الْأَقْطَارِ، بِالرَّغْمِ عَلَى كَرَاهِيَةِ أَقْوَامِهِمْ وَعُظَمَاءِ مِلَلِهِمْ ذَلِكَ، وَمُقَاوَمَتِهِمْ إِيَّاهُ بِكُلِّ حِيلَةٍ وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ ظَهَرَ وَعَلَا وَبَانَ فَضْلُهُ عَلَى الْأَدْيَانِ الَّتِي جَاوَرَهَا وَسَلَامَتُهُ مِنَ الْخُرَافَاتِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute