[سُورَة الْقَصَص (٢٨) : آيَة ١٣]
فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (١٣)
تَقَدَّمَ نَظِيرُ قَوْلِهِ فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ فِي سُورَةِ طه [٤٠] . وَقَوْلُهُ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِنَّمَا تَأْكِيدُ حَرْفِ كَيْ بِمُرَادِفِهِ وَهُوَ لَامُ التَّعْلِيلِ لِلتَّنْصِيصِ مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ عَلَى أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى الْفِعْلِ الْمُثْبَتِ لَا عَلَى الْفِعْلِ الْمَنْفِيِّ.
وَضَمِيرُ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ عَائِدٌ إِلَى النَّاسِ الْمَفْهُومُ مِنَ الْمَقَامِ أَوْ إِلَى رَعِيَّةِ فِرْعَوْنَ، وَمِنَ النَّاسِ بَنُو إِسْرَائِيل.
والاستدراك ناشىء عَنْ نَصْبِ الدَّلِيلِ لَهَا عَلَى أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ، أَيْ فَعَلِمَتْ ذَلِكَ وَحْدَهَا وَأَكْثَرُ الْقَوْمِ لَا يَعْلَمُونَ ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ بَيْنَ مُشْرِكِينَ وَبَيْنَ مُؤْمِنِينَ تَقَادَمَ الْعَهْدُ عَلَى إِيمَانِهِمْ وَخَلَتْ أَقْوَامُهُمْ مِنْ عُلَمَاءَ يُلَقِّنُونَهُمْ مَعَانِيَ الدِّينِ فَأَصْبَحَ إِيمَانُهُمْ قَرِيبًا مِنَ الْكُفْرِ.
وَمَوْضِعُ الْعِبْرَةِ مِنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ أَنَّهَا تَتَضَمَّنُ أُمُورًا ذَاتَ شَأْنٍ فِيهَا ذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُشْرِكِينَ.
فَأَوَّلُ ذَلِكَ وَأَعْظَمُهُ: إِظْهَارُ أَنَّ مَا عَلِمَهُ اللَّهُ وَقَدَّرَهُ هُوَ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ إِلَى قَوْله يَحْذَرُونَ [الْقَصَص:
٥، ٦] وَأَنَّ الْحَذَرَ لَا يُنَجِّي مِنَ الْقَدَرِ.
وَثَانِيهِ: إِظْهَارُ أَنَّ الْعُلُوَّ الْحَقَّ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَأَنَّ عُلُوَّ فِرْعَوْنَ لَمْ يُغْنِ عَنْهُ شَيْئًا فِي دَفْعِ عَوَاقِبِ الْجَبَرُوتِ وَالْفَسَادِ لِيَكُونَ ذَلِكَ عِبْرَةً لِجَبَابِرَةِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ.
وَثَالِثُهُ: أَنَّ تَمْهِيدَ الْقِصَّةِ بِعُلُوِّ فِرْعَوْنَ وَفَسَادِ أَعْمَالِهِ مُشِيرٌ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ هُوَ سَبَبُ الِانْتِقَامِ مِنْهُ وَالْأَخْذُ بِنَاصِرِ الْمُسْتَضْعَفِينَ لِيَحْذَرَ الْجَبَابِرَةُ سُوءَ عَاقِبَةِ ظُلْمِهِمْ وَلِيَرْجُوَ الصَّابِرُونَ عَلَى الظُّلْمِ أَنْ تَكُونَ الْعَاقِبَةُ لَهُمْ.
وَرَابِعُهُ: الْإِشَارَةُ إِلَى حِكْمَةِ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [الْبَقَرَة: ٢١٦] فِي