وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ جُمْلَةُ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، وَالْوَاوُ وَاوُ الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ يَسْتَطِيعُونَ، أَيْ لَيْسَ عَدَمُ اسْتِطَاعَتِهِمْ نَصرهم لبعد مكانهم وَتَأَخُّرِ الصَّرِيخِ لَهُمْ وَلَكِنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ وَهُمْ حَاضِرُونَ لَهُمْ، وَاللَّامُ فِي لَهُمْ لِلْأَجَلِ، أَيْ أَنَّ اللَّهَ يُحْضِرُ الْأَصْنَامَ حِينَ حَشْرِ عَبَدَتِهَا إِلَى النَّارِ لِيُرِيَ الْمُشْرِكِينَ خَطَلَ رَأْيِهِمْ وَخَيْبَةَ أَمَلِهِمْ، فَهَذَا وَعِيدٌ بِعَذَابٍ لَا يَجِدُونَ مِنْهُ ملْجأ.
[٧٦]
[سُورَة يس (٣٦) : آيَة ٧٦]
فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ (٧٦)
فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ.
فَرَّعَ عَلَى قَوْلِهِ: وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً [يس: ٧٤] صَرْفَ أَنْ تُحْزِنَ أَقْوَالُهُمُ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَيْ تَحْذِيرُهُ مِنْ أَنْ يَحْزَنَ لِأَقْوَالِهِمْ فِيهِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا فِي شَأْنِ اللَّهِ مَا هُوَ أَفْظَعُ.
وقَوْلُهُمْ مِنْ إِضَافَةِ اسْمِ الْجِنْسِ فَيَعُمُّ، أَيْ فَلَا تُحْزِنْكَ أَقْوَالُهُمْ فِي الْإِشْرَاكِ وَإِنْكَارِ الْبَعْثِ وَالتَّكْذِيبِ وَالْأَذَى لِلرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ، وَلِذَلِكَ حُذِفَ الْمَقُول، أَي لَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمُ الَّذِي مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُحْزِنَكَ.
وَالنَّهْيُ عَنِ الْحُزْنِ نَهْيٌ عَنْ سَبَبِهِ وَهُوَ اشْتِغَالُ بَالِ الرَّسُولِ بِإِعْرَاضِهِمْ عَنْ قَبُولِ الدِّينِ الْحَقِّ، وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ الْأَمْرَ بِالْأَسْبَابِ الصَّارِفَةِ لِلْحُزْنِ عَنْ نَفْسِهِ مِنَ التَّسَلِّي بِعِنَايَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَعِقَابِهِ مَنْ نَاوَوْهُ وَعَادَوْهُ.
إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ.
تَعْلِيلٌ لِلنَّهْيِ عَنِ الْحُزْنِ لِقَوْلِهِمْ.
وَالْخَبَرُ كِنَايَةٌ عَنْ مُؤَاخَذَتِهِمْ بِمَا يَقُولُونَ، أَيْ أَنَّا مُحْصُونَ عَلَيْهِمْ أَقْوَالَهَمْ وَمَا تُسِرُّهُ أَنْفُسُهُمْ مِمَّا لَا يَجْهَرُونَ بِهِ فَنُؤَاخِذُهُمْ بِذَلِكَ كُلِّهِ بِمَا يُكَافِئُهُ مِنْ عِقَابِهِمْ وَنَصْرِكَ عَلَيْهِمْ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَفِي قَوْلِهِ: مَا يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ تَعْمِيمٌ لِجَعْلِ التَّعْلِيلِ تَذْيِيلًا أَيْضًا.
وَ «إِنَّ» مُغْنِيَةٌ عَنْ فَاءِ التَّسَبُّبِ فِي مَقَامِ وُرُودِهَا لِمُجَرَّدِ الِاهْتِمَامِ بِالتَّأْكِيدِ الْمُخْبَرِ بِالْجُمْلَةِ لَيْسَتْ مُسْتَأْنَفَةً وَلَكِنَّهَا مُتَرَتِّبَةٌ.