[سُورَة النِّسَاء (٤) : الْآيَات ١١٧ إِلَى ١٢١]
إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ إِناثاً وَإِنْ يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطاناً مَرِيداً (١١٧) لَعَنَهُ اللَّهُ وَقالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (١١٨) وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً (١١٩) يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلاَّ غُرُوراً (١٢٠) أُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَلا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً (١٢١)
كَانَ قَوْلُهُ: إِنْ يَدْعُونَ بَيَانًا لِقَوْلِهِ: فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً [النِّسَاء: ١١٦] ، وَأَيُّ ضَلَالٍ أَشَدُّ مِنْ أَنْ يُشْرِكَ أَحَدٌ بِاللَّهِ غَيْرَهُ ثُمَّ أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّ شُرَكَاءَهُ إِنَاثٌ، وَقَدْ عَلِمُوا أَنَّ الْأُنْثَى أَضْعَفُ الصِّنْفَيْنِ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ. وَأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ هَذَا صَادِرًا مِنَ الْعَرَبِ، وَقَدْ عَلِمَ النَّاسُ حَالَ الْمَرْأَةِ بَيْنَهُمْ، وَقَدْ حَرَمُوهَا مِنْ حُقُوقٍ كَثِيرَةٍ وَاسْتَضْعَفُوهَا. فَالْحَصْرُ فِي قَوْلِهِ: إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً قَصْرٌ ادِّعَائِيٌّ لِأَنَّهُ أَعْجَبُ أَحْوَالِ إِشْرَاكِهِمْ، وَلِأَنَّ أَكْبَرَ آلِهَتِهِمْ يَعْتَقِدُونَهَا أُنْثَى وَهِيَ: اللَّاتُ، وَالْعُزَّى، وَمَنَاةُ، فَهَذَا كَقَوْلِكَ لَا عَالِمَ إِلَّا زِيدٌ.
وَكَانَتِ الْعُزَّى لِقُرَيْشٍ، وَكَانَتْ مَنَاةُ لِلْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مُعْظَمَ الْمُعَانِدِينَ لِلْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ كَانُوا مِنْ هَذَيْنِ الْحَيَّيْنِ: مُشْرِكُو قُرَيْشٍ هُمْ أَشَدُّ النَّاسِ عداء لِلْإِسْلَامِ:
ومنافقوا الْمَدِينَةِ وَمُشْرِكُوهَا أَشَدُّ النَّاسِ فِتْنَةً فِي الْإِسْلَامِ.
وَمَعْنَى وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطاناً مَرِيداً أَنَّ دَعْوَتَهُمُ الْأَصْنَامَ دَعْوَةٌ لِلشَّيْطَانِ، وَالْمُرَادُ جِنْسُ الشَّيْطَانِ، وَإِنَّمَا جُعِلُوا يَدْعُونَ الشَّيْطَانَ لِأَنَّهُ الَّذِي سَوَّلَ لَهُمْ عِبَادَةَ الْأَصْنَامِ.
وَالْمَرِيدُ: الْعَاصِي وَالْخَارِجُ عَنِ الْمَلِكِ، وَفِي الْمَثَلِ «تَمَرَّدَ مَارِدٌ وَعَزَّ الْأَبْلَقُ» اسْمَا حِصْنَيْنِ لِلسَّمَوْأَلِ، فَالْمَرِيدُ صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ مُشْتَقَّةٌ مِنْ مَرُدَ- بِضَمِّ الرَّاءِ- إِذَا عَتَا فِي الْعِصْيَانِ.
وَجُمْلَةُ لَعَنَهُ اللَّهُ صِفَةٌ لِشَيْطَانٍ، أَيْ أَبْعَدَهُ وَتَحْتَمِلُ الدُّعَاءَ عَلَيْهِ، لَكِنَّ الْمَقَامَ يَنْبُو
عَنِ الِاعْتِرَاضِ بِالدُّعَاءِ فِي مِثْلِ هَذَا السِّيَاقِ. وَعَطْفُ وَقالَ لَأَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِ يَزِيدُ احْتِمَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute