للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.

تَذْيِيلٌ لِتَقْرِيرِ الْأَحْكَامِ الْمُتَقَدِّمَةِ. وَتَقَدَّمَ مَعْنَى الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:

فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ وَفِي افْتِتَاحِ السُّورَةِ بِهَذِهِ الْآيَاتِ بَرَاعَةُ اسْتِهْلَالٍ لِنُزُولِهَا فِي مُجَادَلَةِ نَصَارَى نَجْرَانَ، وَلِذَلِكَ تَكَرَّرَ فِي هَذَا الطَّالِعِ قَصْرُ الْإِلَهِيَّةِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ:

اللَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَقَوْلِهِ: هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ وَقَوْلِهِ: لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ.

[٧]

[سُورَة آل عمرَان (٣) : آيَة ٧]

هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الْأَلْبابِ (٧)

هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ.

اسْتِئْنَافٌ ثَالِثٌ بِإِخْبَارٍ عَنْ شَأْن من شؤون اللَّهِ تَعَالَى، مُتَعَلِّقٌ بِالْغَرَضِ الْمَسُوقِ لَهُ الْكَلَامُ: وَهُوَ تَحْقِيقُ إِنْزَالِهِ الْقُرْآنَ وَالْكِتَابَيْنِ مِنْ قَبْلِهِ، فَهَذَا الِاسْتِئْنَافُ مُؤَكِّدٌ لِمَضْمُونِ قَوْلِهِ: نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ [آل عمرَان: ٣] وَتَمْهِيدٌ لِقَوْلِهِ: مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ لِأَنَّ الْآيَاتِ نَزَلَتْ فِي مُجَادَلَةِ وَفْدِ نَجْرَانَ، وَصُدِّرَتْ بِإِبْطَالِ عقيدتهم فِي إلاهية الْمَسِيح:

فالإشارة إِلَى أَوْصَافِ الْإِلَهِ الْحَقَّةِ، تَوَجَّهَ الْكَلَامُ هُنَا إِلَى إِزَالَةِ شُبْهَتِهِمْ فِي شَأْنِ زَعْمِهِمُ اعْتِرَافَ نُصُوصِ الْقُرْآنِ بِإِلَهِيَّةِ الْمَسِيحِ إِذْ وُصِفَ فِيهَا بِأَنَّهُ رُوحُ الله وأنّه يحي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ كَلِمَةُ اللَّهِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ فَنُودِيَ عَلَيْهِمْ بِأَنَّ مَا تَعَلَّقُوا بِهِ تَعَلُّقَ اشْتِبَاه وَسُوء بأويل.

وَفِي قَوْلِهِ: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ قَصْرُ صِفَةِ إِنْزَالِ الْقُرْآنِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى: لِتَكُونَ الْجُمْلَةُ، مَعَ كَوْنِهَا تَأْكِيدًا وَتَمْهِيدًا، إِبْطَالًا أَيْضًا لِقَوْلِ الْمُشْرِكِينَ: إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ [النَّحْل:

١٠٣] وَقَوْلِهِمْ: أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا [الْفرْقَان: ٥] . وَكَقَوْلِهِ:

وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ وَما يَنْبَغِي لَهُمْ وَما يَسْتَطِيعُونَ إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ [الشُّعَرَاء: ٢١٠- ٢١٢] ذَلِك أَنَّهُمْ قَالُوا: هُوَ قَوْلُ كَاهِنٍ، وَقَوْلُ شَاعِرٍ، وَاعْتَقَدُوا أَنَّ أَقْوَالَ الْكُهَّانِ وَأَقْوَالَ الشُّعَرَاءِ مِنْ إِمْلَاءِ الْأَرْئِيَاءِ (جَمْعِ رَئِيٍّ) .