للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كَالَّذِي فِي قَوْلِهِ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً [الْفرْقَان: ٢٢] وَلَا دَاعِيَ إِلَى ذَلِكَ لِأَنَّ مَا ذَكَرُوهُ مِنِ اسْتِعْمَالِ حِجْراً مَحْجُوراً فِي التَّعَوُّذِ لَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ إِلَّا كَذَلِك.

[٥٤]

[سُورَة الْفرْقَان (٢٥) : آيَة ٥٤]

وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً (٥٤)

مُنَاسِبَةُ مَوْقِعِ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ بَعْدَ مَا قَبْلَهُ أَنَّهُ اسْتِدْلَالٌ بِدَقِيقِ آثَارِ الْقُدْرَةِ فِي تَكْوِينِ الْمِيَاهِ وَجَعْلِهَا سَبَبَ حَيَاةٍ مُخْتَلِفَةِ الْأَشْكَالِ وَالْأَوْضَاعِ. وَمِنْ أَعْظَمِهَا دَقَائِقُ الْمَاءِ الَّذِي خُلِقَ مِنْهُ أَشْرَفُ الْأَنْوَاعِ الَّتِي عَلَى الْأَرْضِ وَهُوَ نُطْفَةُ الْإِنْسَانِ بِأَنَّهَا سَبَبُ تَكْوِينِ النَّسْلِ لِلْبَشَرِ فَإِنَّهُ يَكُونُ أَوَّلَ أَمْرِهِ مَاءً ثُمَّ يَتَخَلَّقُ مِنْهُ الْبَشَرُ الْعَظِيمُ، فَالتَّنْوِينُ فِي قَوْلِهِ بَشَراً لِلتَّعْظِيمِ.

وَالْقَصْرُ الْمُسْتَفَادُ من تَعْرِيف الجزءين قَصْرُ إِفْرَادٍ لِإِبْطَالِ دَعْوَى شَرِكَةِ الْأَصْنَامِ لِلَّهِ فِي الْإِلَهِيَّةِ.

وَالْبَشَرُ: الْإِنْسَانُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا

فِي سُورَةِ مَرْيَمَ [١٧] . وَالضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ فِي فَجَعَلَهُ عَائِدٌ إِلَى الْبَشَرِ، أَيْ فَجَعَلَ الْبَشَرَ الَّذِي خَلَقَهُ مِنَ الْمَاءِ نَسَبًا وَصِهْرًا، أَيْ قَسَّمَ اللَّهُ الْبَشَرَ قِسْمَيْنِ: نَسَبٍ، وَصِهْرٍ. فَالْوَاوُ لِلتَّقْسِيمِ بِمَعْنَى (أَوْ) وَالْوَاوُ أَجْوَدُ مِنْ (أَوْ) فِي التَّقْسِيمِ.

ونَسَباً وَصِهْراً مَصْدَرَانِ سُمِّيَ بِهِمَا صِنْفَانِ مِنَ الْقَرَابَةِ عَلَى تَقْدِيرِ: ذَا نَسَبٍ وَصِهْرٍ وَشَاعَ ذَلِكَ فِي الْكَلَامِ.

وَالنَّسَبُ لَا يَخْلُو مِنْ أُبُوَّةٍ وَبُنُوَّةٍ وَأُخُوَّةٍ لِأُولَئِكَ وَبُنُوَّةٍ لِتِلْكَ الْأُخُوَّةِ.

وَأَمَّا الصِّهْرُ فَهُوَ: اسْمٌ لِمَا بَيْنَ الْمَرْءِ وَبَيْنَ قَرَابَةِ زَوْجِهِ وَأَقَارِبِهِ مِنَ الْعَلَاقَةِ، وَيُسَمَّى أَيْضًا مُصَاهَرَةً لِأَنَّهُ يَكُونُ مِنْ جِهَتَيْنِ، وَهُوَ آصِرَةٌ اعْتِبَارِيَّةٌ تَتَقَوَّمُ بِالْإِضَافَةِ إِلَى مَا تُضَافُ إِلَيْهِ، فَصِهْرُ الرَّجُلِ قَرَابَةُ امْرَأَتِهِ، وَصِهْرُ الْمَرْأَةِ قَرَابَةُ زَوْجِهَا، وَلِذَلِكَ يُقَالُ: صَاهَرَ فُلَانٌ فُلَانًا إِذَا تَزَوَّجَ مِنْ قَرَابَتِهِ وَلَوْ قَرَابَةً بَعِيدَةً كَقَرَابَةِ الْقَبِيلَةِ. وَهَذَا لَا يَخْلُو عَنْهُ الْبَشَرُ الْمُتَزَوِّجُ وَغَيْرُ الْمُتَزَوِّجِ.

وَيُطْلَقُ الصِّهْرُ على مَعَ لَهُ مَنْ الْآخَرِ عَلَاقَةُ الْمُصَاهَرَةِ مِنْ إِطْلَاقِ الْمَصْدَرِ فِي