: قالَ هَذَا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ.
وَالتَّأْكِيدُ بِ أَجْمَعِينَ لِلتَّنْصِيصِ عَلَى الْعُمُومِ لِئَلَّا يُحْمَلَ عَلَى التَّغْلِيبِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْكَلَامَ جَرَى عَلَى أُمَّةٍ بِعُنْوَانِ كَوْنِهِمْ أَتْبَاعًا لِوَاحِدٍ، وَالْعَرَبُ قَدْ تُجْرِي الْعُمُومَ فِي مِثْلِ هَذَا عَلَى الْمَجْمُوع دون الْجمع، كَمَا يَقُولُونَ: قَتَلَتْ تَمِيمٌ فُلَانًا، وَإِنَّمَا قَتَلَهُ بَعْضُهُمْ، قَالَ النَّابِغَةُ فِي شَأْنِ بَنِي حُنٍّ (بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ مَضْمُومَةٍ) :
وَهُمْ قَتَلُوا الطَّائِيَّ بالجوّ عنْوَة [١٩]
[سُورَة الْأَعْرَاف (٧) : آيَة ١٩]
وَيا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ (١٩)
الْوَاوُ مِنْ قَوْلِهِ: وَيا آدَمُ عَاطِفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ: اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً [الْأَعْرَاف: ١٨] الْآيَةَ، فَهَذِهِ الْوَاوُ مِنَ الْمَحْكِيِّ لَا مِنَ الْحِكَايَةِ، فَالنِّدَاءُ وَالْأَمْرُ مِنْ جُمْلَةِ
الْمَقُولِ الْمَحْكِيِّ يُقَالُ: أَيْ قَالَ اللَّهُ لِإِبْلِيسَ اخْرُجْ مِنْهَا وَقَالَ لِآدَمَ وَيا آدَمُ اسْكُنْ، وَهَذَا مِنْ عَطْفِ الْمُتَكَلِّمِ بَعْضَ كَلَامِهِ عَلَى بَعْضٍ، إِذَا كَانَ لِبَعْضِ كَلَامِهِ اتِّصَالٌ وَتَنَاسُبٌ مَعَ بَعْضِهِ الْآخَرِ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدُ الْكَلَامَيْنِ مُوَجَّهًا إِلَى الَّذِي وُجِّهَ إِلَيْهِ الْكَلَامُ الْآخَرُ، مَعَ اتِّحَادِ مَقَامِ الْكَلَامِ، كَمَا يَفْعَلُ الْمُتَكَلِّمُ مَعَ مُتَعَدِّدِينَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ فَيُقْبِلُ عَلَى كُلِّ مُخَاطَبٍ مِنْهُمْ بِكَلَامٍ يَخُصُّهُ وَمِنْهُ
قَول النّبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَضِيَّةِ الرَّجُلِ وَالْأَنْصَارِيِّ الَّذِي كَانَ ابْنُ الرَّجُلِ عَسِيفًا عَلَيْهِ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَمَّا الْغَنَمُ وَالْجَارِيَةُ فَرَدٌّ عَلَيْكَ وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَاغَدُ يَا أُنَيْسُ عَلَى زَوْجَةِ هَذَا فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا» ،
وَمِنْ أُسْلُوبِ هَذِهِ الْآيَةِ مَا فِي قَوْله تَعَالَى: قالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ [يُوسُف: ٢٨، ٢٩] حِكَايَةً لِكَلَامِ الْعَزِيزِ، أَيِ الْعَزِيزِ عَطَفَ خِطَابَ امْرَأَتِهِ عَلَى خِطَابِهِ لِيُوسُفَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute