بِإِثْبَاتِ أَنَّهُ وَاحِدٌ غَيْرُ مُتَعَدِّدٍ، وَهَذَا إِنَّمَا يَقْتَضِي نَفْيَ الْإِلَهِيَّةِ عَنِ الْمُتَعَدِّدِينَ وَأَمَّا اقْتِضَاؤُهُ تَعْيِينَ الْإِلَهِيَّةِ لِلَّهِ تَعَالَى فَذَلِك حَاصِل بِأَنَّهُم لَا يُنْكِرُونَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الرَّبُّ الْعَظِيمُ وَلَكِنَّهُمْ جَعَلُوا لَهُ شُرَكَاءَ فَحَصَلَ التَّعَدُّدُ فِي مَفْهُومِ الْإِلَهِ فَإِذَا بَطَلَ التَّعَدُّدَ تَعَيَّنَ انْحِصَارُ الْإِلَهِيَّةِ فِي رَبٍّ وَاحِدٍ هُوَ الله تَعَالَى.
[٥]
[سُورَة الصافات (٣٧) : آيَة ٥]
رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَرَبُّ الْمَشارِقِ (٥)
أَتْبَعَ تَأْكِيدَ الْإِخْبَارِ عَنْ وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى بِالِاسْتِدْلَالِ عَلَى تَحْقِيقِ ذَلِكَ الْإِخْبَارِ لِأَنَّ الْقَسَمَ لِتَأْكِيدِهِ لَا يُقْنِعُ الْمُخَاطَبِينَ لِأَنَّهُمْ مُكَذِّبُونَ مَنْ بَلَّغَ إِلَيْهِمُ الْقَسَمَ، فَالْجُمْلَةُ اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ لِبَيَانِ الْإِلَهِ الْوَاحِدِ مَعَ إِدْمَاجِ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى تَعْيِينِهِ بِذِكْرِ مَا هُوَ مِنْ خَصَائِصِهِ الْمُقْتَضِي تَفَرُّدَهُ بِالْإِلَهِيَّةِ.
فَقَوْلُهُ: رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ. وَالتَّقْدِيرُ: هُوَ رَبُّ السَّمَاوَات، أَي إِلَهكُم الْوَاحِدُ هُوَ الَّذِي تَعْرِفُونَهُ بِأَنَّهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَى آخِرِهِ.
فَقَوْلُهُ: رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ جَرَى حَذْفُهُ عَلَى طَرِيقَةِ الِاسْتِعْمَالِ فِي حَذْفِ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ مِنَ الْكَلَامِ الْوَارِدِ بَعْدَ تَقَدُّمِ حَدِيثٍ عَنْهُ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ صَاحِبُ «الْمِفْتَاحِ» .
فَإِنَّ الْمُشْرِكِينَ مَعَ غُلُوِّهِمْ فِي الشّرك لم يتجرّأوا عَلَى ادِّعَاءِ الْخَالِقِيَةِ لِأَصْنَامِهِمْ وَلَا التَّصَرُّفِ فِي الْعَوَالِمِ الْعُلْوِيَّةِ، وَكَيْفَ يَبْلُغُونَ إِلَيْهَا وَهُمْ لَقًى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فَكَانَ تَفَرُّدُ اللَّهِ بِالْخَالِقِيَةِ أَفْحَمَ حُجَّةٍ عَلَيْهِمْ فِي بُطْلَانِ إِلَهِيَّةِ الْأَصْنَامِ. وَشَمِلَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما جَمِيعَ الْعَوَالِمِ الْمَشْهُودَةِ لِلنَّاسِ بِأَجْرَامِهَا وَسُكَّانِهَا وَالْمَوْجُودَاتِ فِيهَا.
وَتَخْصِيصُ الْمَشارِقِ بِالذِّكْرِ مِنْ بَيْنِ مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لِأَنَّهَا أَحْوَالٌ مَشْهُودَةٌ كُلَّ يَوْمٍ.
وَجَمْعُ الْمَشارِقِ بِاعْتِبَارِ اخْتِلَافِ مَطْلَعِ الشَّمْسِ فِي أَيَّامِ نِصْفِ سَنَةِ دَوْرَتِهَا وَهِيَ السَّنَةُ الشَّمْسِيَّةُ وَهِيَ مِائَةٌ وَثَمَانُونَ شَرْقًا بِاعْتِبَارِ أَطْوَلِ نَهَارٍ فِي السَّنَةِ الشَّمْسِيَّةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute