للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَيُرَجِّحُ هَذَا الْمَعْنَى أَنَّ ظَاهِرَ الْأَمْرِ فِي قَوْلِهِ: آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [الْحَدِيد: ٧] أَنَّهُ لِطَلَبِ إِيجَادِ الْإِيمَانِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِهَا وَأَنَّ الْآيَةَ مَكِّيَّةٌ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ أَخَذَ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ وَنَصْبِ مِيثاقَكُمْ عَلَى أَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ إِلَى اسْمِ الْجَلَالَةِ، وَقَرَأَهُ أَبُو عَمْرٍو أَخَذَ بِالْبِنَاءِ لِلنَّائِبِ وَرفع مِيثاقَكُمْ.

[٩]

[سُورَة الْحَدِيد (٥٧) : آيَة ٩]

هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى عَبْدِهِ آياتٍ بَيِّناتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (٩)

اسْتِئْنَافٌ ثَالِثٌ انْتَقَلَ بِهِ الْخِطَابُ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ، فَهَذِهِ الْآيَةُ يَظْهَرُ أَنَّهَا مَبْدَأُ الْآيَاتِ الْمَدَنِيَّةِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ وَيَزِيدُ ذَلِكَ وُضُوحًا عَطْفُ قَوْلِهِ: وَما لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [الْحَدِيد: ١٠] الْآيَاتِ كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا.

وَالْخِطَابُ هُنَا وَإِنْ كَانَ صَالِحًا لِتَقْرِيرِ مَا أَفَادَتْهُ جُمْلَةُ وَما لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ [الْحَدِيد: ٨] وَلَكِنْ أُسْلُوبُ النَّظْمِ وَمَا عُطِفَ عَلَى هَذِهِ الْجُمْلَةِ يَقْتَضِيَانِ أَنْ تَكُونَ اسْتِئْنَافًا انْتِقَالِيًّا هُوَ مِنْ حُسْنِ التَّخَلُّصِ إِلَى خِطَابِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا تَفُوتُهُ الدَّلَالَةُ عَلَى تَقْرِيرِ مَا قَبْلَهُ لِأَنَّ التَّقْرِيرَ يَحْصُلُ مِنِ انْتِسَابِ الْمَعْنَيَيْنِ: مَعْنَى الْجُمْلَةِ السَّابِقَةِ، وَمَعْنَى هَذِهِ الْجُمْلَةِ الْمُوَالِيَةِ.

فَهَذِهِ الْجُمْلَةُ بِمَوْقِعِهَا وَمَعْنَاهَا وَعِلَّتِهَا وَمَا عُطِفَ عَلَيْهَا أَفَادَتْ بَيَانًا وَتَأْكِيدًا وَتَعْلِيلًا وَتَذْيِيلًا وَتَخَلُّصًا لِغَرَضٍ جَدِيدٍ، وَهِيَ أَغْرَاضٌ جَمَعَتْهَا جَمْعًا بَلَغَ حَدَّ الْإِعْجَازِ فِي الْإِيجَازِ، مَعَ أَنَّ كُلَّ جُمْلَةٍ مِنْهَا مُسْتَقِلَّةٌ بِمَعْنًى عَظِيمٍ مِنَ الِاسْتِدْلَالِ وَالتَّذْكِيرِ والإرشاد والامتنان.

والرؤوف: مِنْ أَمْثِلَةِ الْمُبَالغَة فِي الاتصاف بِالرَّأْفَةِ وَهِيَ كَرَاهِيَةُ إِصَابَةِ الْغَيْرِ بِضُرٍّ.

وَالرَّحِيمُ: مِنَ الرَّحْمَةِ وَهِيَ مَحَبَّةُ إِيصَالِ الْخَيْرِ إِلَى الْغَيْرِ.

وَقَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ عَامِرٍ وَحَفْصٌ عَن عَاصِم لَرَؤُفٌ بِوَاوٍ بَعْدَ الْهَمْزَةِ