للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حِينَ يَجْرِي عَلَى مُخْبَرٍ عَنْهُ أَوْ مَوْصُوفٍ نَحْوِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الْإِخْلَاص: ١] وَاسْتِعْمَالُهُ كَذَلِكَ قَلِيلٌ فِي الْكَلَامِ وَمِنْهُ اسْمُ الْعَدَدِ أَحَدَ عَشَرَ، وَتَارَةً يَكُونُ بِمَعْنَى فَرْدٍ مِنْ جِنْسٍ وَذَلِكَ حِينَ يُبَيَّنُ بِشَيْءٍ يَدُلُّ عَلَى جِنْسٍ نَحْوَ خُذْ أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ وَيُؤَنَّثُ نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى:

فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى [الْبَقَرَة: ٢٨٢] وَهَذَا اسْتِعْمَال كَثِيرٌ وَهُوَ قَرِيبٌ فِي الْمَعْنَى مِنَ الِاسْتِعْمَالِ الْأَوَّلِ، وَتَارَةً يَكُونُ بِمَعْنَى فَرْدٍ مِنْ جِنْسٍ لَكِنَّهُ لَا يُبَيِّنُ بَلْ يُعَمَّمُ وَتَعْمِيمُهُ قَدْ يَكُونُ فِي الْإِثْبَاتِ نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ [التَّوْبَة: ٦] ،

وَقَدْ يَكُونُ تَعْمِيمُهُ فِي النَّفْيِ وَهُوَ أَكْثَرُ أَحْوَالِ اسْتِعْمَالِهِ نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ [الحاقة: ٤٧] وَقَوْلُ الْعَرَبِ: أَحَدٌ لَا يَقُولُ ذَلِكَ، وَهَذَا الِاسْتِعْمَالُ يُفِيدُ الْعُمُومَ كَشَأْنِ النَّكِرَاتِ كُلِّهَا فِي حَالَةِ النَّفْيِ.

وَبِهَذَا يَظْهَرُ أَنَّ أَحَدٍ لَفْظٌ مَعْنَاهُ وَاحِدٌ فِي الْأَصْلِ وَتَصْرِيفُهُ وَاحِدٌ وَلَكِنِ اخْتَلَفَتْ مَوَاقِعُ اسْتِعْمَالِهِ الْمُتَفَرِّعَةُ عَلَى أَصْلِ وَضْعِهِ حَتَّى صَارَتْ بِمَنْزِلَةِ مَعَانٍ مُتَعَدِّدَةٍ وَصَارَ أَحَدٌ بِمَنْزِلَةِ الْمُتَرَادِفِ، وَهَذَا يَجْمَعُ مُشَتَّتَ كَلَامٍ طَوِيلٍ لِلْعُلَمَاءِ فِي لَفْظِ أَحَدٍ وَهُوَ مَا احْتَفَلَ بِهِ الْقَرَافِيُّ فِي كِتَابِهِ «الْعِقْدِ الْمَنْظُومِ فِي الْخُصُوصِ وَالْعُمُومِ» .

وَقَدْ دَلَّتْ كَلِمَةُ بَيْنَ عَلَى مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ وَآخَرُ لِأَنَّ بَيْنَ تَقْتَضِي شَيْئَيْنِ فَأَكْثَرَ.

وَقَوْلُهُ: وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ الْقَوْلُ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي نَظِيرِهِ الْمُتَقَدِّمِ آنِفًا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِلهاً واحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [الْبَقَرَة: ١٣٣] .

[١٣٧]

[سُورَة الْبَقَرَة (٢) : آيَة ١٣٧]

فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٣٧)

كَلَامٌ مُعْتَرِضٌ بَيْنَ قَوْلِهِ: قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ [الْبَقَرَة: ١٣٦] وَقَوْلِهِ: صِبْغَةَ اللَّهِ [الْبَقَرَة:

١٣٨] وَالْفَاءُ لِلتَّفْرِيعِ وَدُخُولُ الْفَاءِ فِي الِاعْتِرَاضِ وَارِدٌ فِي الْكَلَامِ كَثِيرًا وَإِنْ تَرَدَّدَ فِيهِ بَعْضُ النُّحَاةِ وَالتَّفْرِيعُ عَلَى قَوْلِهِ: قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَالْمُرَادُ مِنَ الْقَوْلِ أَنْ يَكُونَ إِعْلَانًا أَيْ أَعْلِنُوا دِينَكُمْ وَاجْهَرُوا بِالدَّعْوَةِ إِلَيْهِ فَإِنِ اتَّبَعَكُمُ الَّذِينَ قَالُوا: كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى [الْبَقَرَة: ١٣٥] فَإِيمَانُهُمُ اهْتِدَاءٌ وَلَيْسُوا قَبْلَ ذَلِكَ عَلَى هُدًى خِلَافًا لِزَعْمِهِمْ أَنَّهُمْ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِهِمْ: كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا فَدَلَّ مَفْهُومُ الشَّرْطِ عَلَى أَنَّهُمْ لَيْسُوا عَلَى هُدًى مَا دَامُوا غَيْرَ مُؤْمِنِينَ بِالْإِسْلَامِ.