للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سُورَة الشورى (٤٢) : آيَة ٤٣]

وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (٤٣)

عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ [الشورى:

٤١] ، وَمَوْقِعُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ مَوْقِعُ الِاعْتِرَاضِ بَيْنَ جُمْلَةِ إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ [الشورى: ٤٢] وَجُمْلَةِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ [الشورى: ٤٤] .

وهذ الْجُمْلَةُ تُفِيدُ بَيَانَ مزية الْمُؤمنِينَ الَّذِي تَحَمَّلُوا الْأَذَى مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَصَبَرُوا عَلَيْهِ وَلَمْ يُؤَاخِذُوا بِهِ مَنْ آمَنَ مِمَّنْ آذَوْهُمْ مِثْلَ أُخْتِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَبْلَ إِسْلَامِهِ، وَمِثْلَ صِهْرِهِ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ فَقَدْ قَالَ «لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَإِنَّ عُمَرَ لَمُوثِقِي عَلَى الْإِسْلَامِ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ عُمَرُ» ، فَكَانَ فِي صَبْرِ سَعِيدٍ خَيْرٌ دَخَلَ بِهِ عُمَرُ فِي الْإِسْلَامِ، وَمَزِيَّةُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَصْبِرُونَ عَلَى ظُلْمِ إِخْوَانِهِمْ وَيَغْفِرُونَ لَهُمْ فَلَا يَنْتَصِفُونَ مِنْهُمْ وَلَا يَسْتَعْدُونَ عَلَيْهِمْ عَلَى نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ فِي مَسْأَلَةِ التَّحَلُّلِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [الشورى: ٤٠] .

وَاللَّامُ الدَّاخِلَةُ عَلَى (مَنْ) لَامُ ابْتِدَاءٍ وَ (مَنْ) مَوْصُولَةٌ. وَجُمْلَةُ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ

الْأُمُورِ

خَبَرٌ عَنْ (مَنْ) الْمَوْصُولَةِ، وَلَامُ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ لَامُ الِابْتِدَاءِ الَّتِي تَدْخُلُ عَلَى خَبَرِ إِنَّ وَهِيَ مِنْ لَامَاتِ الِابْتِدَاءِ.

وَقَدِ اشْتَمَلَ هَذَا الْخَبَرُ عَلَى أَرْبَعَةِ مُؤَكِّدَاتٍ هِيَ: اللَّامُ، وَإِنَّ، وَلَامُ الِابْتِدَاءِ، وَالْوَصْفُ بِالْمَصْدَرِ فِي قَوْلِهِ: عَزْمِ الْأُمُورِ تَنْوِيهًا بِمَضْمُونِهِ، وَزِيدَ تَنْوِيهًا بِاسْمِ الْإِشَارَةِ فِي قَوْلِهِ إِنَّ ذلِكَ فَصَارَ فِيهِ خَمْسَةُ اهْتِمَامَاتٍ.

وَالْعَزْمُ: عَقْدُ النِّيَّةِ عَلَى الْعَمَلِ وَالثَّبَاتُ عَلَى ذَلِكَ وَالْوَصْفُ بِالْعَزْمِ مُشْعِرٌ بِمَدْحِ الْمَوْصُوفِ لِأَنَّ شَأْنَ الْفَضَائِلِ أَنْ يَكُونَ عَمَلُهَا عَسِيرًا عَلَى النُّفُوسِ لِأَنَّهَا تُعَاكِسُ الشَّهَوَاتِ، وَمِنْ ثَمَّ وُصِفَ أَفْضَلُ الرُّسُلِ بِأُولِي الْعَزْمِ.

والْأُمُورِ: جَمْعُ أَمْرٍ. وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا: الْخِلَالُ وَالصِّفَاتُ وَإِضَافَةُ عَزْمِ إِلَى الْأُمُورِ مِنْ إِضَافَةِ الصِّفَةِ إِلَى الْمَوْصُوفِ، أَيْ مِنَ الْأُمُورِ الْعَزْمِ.

وَوَصْفُ الْأُمُورِ بِ (الْعَزْمِ) مِنَ الْوَصْفِ بِالْمَصْدَرِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي تَحَقُّقِ الْمَعْنَى فِيهَا،