للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْبَغْيُ فِي الْأَرْضِ: الِاعْتِدَاءُ عَلَى مَا وَضَعَهُ اللَّهُ فِي الْأَرْضِ مِنَ الْحَقِّ الشَّامِلِ لِمَنَافِعِ الْأَرْضِ الَّتِي خُلِقَتْ لِلنَّاسِ، مِثْلَ تَحْجِيرِ الزَّرْعِ وَالْأَنْعَامِ الْمَحْكِيِّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَقالُوا هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَا يَطْعَمُها إِلَّا مَنْ نَشاءُ بِزَعْمِهِمْ [الْأَنْعَام: ١٣٨] ، وَمِثْلَ تَسْيِيبِ السَّائِبَةِ وَتَبْحِيرِ الْبَحِيرَةِ، وَالشَّامِلِ لِمُخَالَفَةِ مَا سَنَّهُ اللَّهُ فِي فِطْرَةِ الْبَشَرِ مِنَ الْأَحْوَالِ الْقَوِيمَةِ مِثْلَ الْعَدْلِ وَحُسْنِ الْمُعَاشَرَةِ، فَالْبَغْيُ عَلَيْهَا بِمِثْلِ الْكِبْرِيَاءِ وَالصَّلَفِ وَتَحْقِيرِ النَّاسِ الْمُؤْمِنِينَ وَطَرْدِهِمْ عَنْ مَجَامِعِ الْقَوْمِ بَغْيٌ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ.

والْأَرْضِ: أَرْضُ مَكَّةَ، أَوْ جَمِيعُ الْكُرَةِ الْأَرْضِيَّةِ وَهُوَ الْأَلْيَقُ بِعُمُومِ الْآيَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها [الْبَقَرَة: ٢٠٥] وَقَالَ: وَلا

تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها

[الْأَعْرَاف: ٨٥] ، فَكُلُّ فَسَادٍ وَظُلْمٍ يَقَعُ فِي جُزْءٍ مِنَ الْأَرْضِ فَهُوَ بَغْيٌ مَظْرُوفٌ فِي الْأَرْضِ.

وبِغَيْرِ الْحَقِّ مُتَعَلِّقٌ بِ يَبْغُونَ وَهُوَ لِكَشْفِ حَالَةِ الْبَغْيِ لِإِفَادَةِ مَذِمَّتِهِ إِذْ لَا يَكُونُ الْبَغْيُ إِلَّا بِغَيْرِ الْحَقِّ فَإِنَّ مُسَمَّى الْبَغْيِ هُوَ الِاعْتِدَاءُ عَلَى الْحَقِّ، وَأَمَّا الِاعْتِدَاءُ عَلَى الْمُبْطِلِ لِأَجَلِ بَاطِلِهِ فَلَا يُسَمَّى بَغْيًا وَيُسَمَّى اعْتِدَاءً قَالَ تَعَالَى: فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ [الْبَقَرَة: ١٩٤] ، وَيُقَالُ: اسْتَعْدَى فُلَانٌ الْحَاكِمَ عَلَى خَصْمِهِ، أَيْ طَلَبَ مِنْهُ الْحُكْمَ عَلَيْهِ.

وَجُمْلَةُ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بَيَان جملَة إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ إِنْ أُرِيدَ بِ السَّبِيلُ فِي قَوْلِهِ: مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ [الشورى: ٤١] سَبِيلٍ الْعِقَابِ فِي الْآخِرَةِ، أَوْ بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنْهَا إِنْ أُرِيدَ بِ السَّبِيلُ هُنَالِكَ مَا يَشْمَلُ الْمَلَامَ فِي الدُّنْيَا، أَيِ السَّبِيلُ الَّذِي عَلَيْهِمْ هُوَ أَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا جَزَاءَ ظُلْمِهِمْ وَبَغْيِهِمْ.

وَحُكْمُ هَذِهِ الْآيَةِ يَشْمَلُ ظُلْمَ الْمُشْرِكِينَ لِلْمُسْلِمِينَ وَيَشْمَلُ ظُلْمَ الْمُسْلِمِينَ بَعْضِهِمْ بَعْضًا لِيَتَنَاسَبَ مَضْمُونُهَا مَعَ جَمِيعِ مَا سَبَقَ.

وَجِيءَ بِاسْمِ الْإِشَارَةِ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّهُمْ أَحْرِيَاءُ بِمَا يُذْكَرُ بَعْدَ اسْمِ الْإِشَارَةِ لِأَجْلِ مَا ذُكِرَ قَبْلَهُ مَعَ تَمْيِيزِهِمْ أَكْمَلَ تَمْيِيزٍ بِهَذَا الْوَعيد.