للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سُورَة الْبَقَرَة (٢) : آيَة ٨]

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (٨)

هَذَا فَرِيقٌ آخَرُ وَهُوَ فَرِيقٌ لَهُ ظَاهِرُ الْإِيمَانِ وَبَاطِنُهُ الْكُفْرُ وَهُوَ لَا يعدو أَنْ يَكُونَ مُبْطِنًا الشِّرْكَ أَوْ مُبْطِنًا التَّمَسُّكَ بِالْيَهُودِيَّةِ وَيَجْمَعُهُ كُلُّهُ إِظْهَارُ الْإِيمَانِ كَذِبًا، فَالْوَاوُ لِعَطْفِ طَائِفَةٍ مِنَ الْجُمَلِ عَلَى طَائِفَةٍ مَسُوقٍ كُلٍّ مِنْهُمَا لِغَرَضٍ جَمَعَتْهُمَا فِي الذِّكْرِ الْمُنَاسَبَةُ بَيْنَ الْغَرَضَيْنِ فَلَا يُتَطَلَّبُ فِي مِثْلِهِ إِلَّا الْمُنَاسَبَةُ بَيْنَ الْغَرَضَيْنِ لَا الْمُنَاسَبَةُ بَيْنَ كُلِّ جُمْلَةٍ وَأُخْرَى مِنْ كِلَا الْغَرَضَيْنِ عَلَى مَا حَقَّقَهُ التفتازانيّ فِي شَرْحِ الْكَشَّافِ، وَقَالَ السَّيِّدُ إِنَّهُ أَصْلٌ عَظِيمٌ فِي بَابِ الْعَطْفِ لَمْ يَنْتَبِهْ لَهُ كَثِيرُونَ فَأَشْكَلَ عَلَيْهِمُ الْأَمْرُ فِي مَوَاضِعَ شَتَّى وَأَصْلُهُ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ «الْكَشَّافِ» : «وَقِصَّةُ الْمُنَافِقِينَ عَنْ آخِرِهَا مَعْطُوفَةٌ عَلَى قِصَّةِ الَّذِينَ كَفَرُوا [الْبَقَرَة: ٦] كَمَا تُعْطَفُ الْجُمْلَةُ عَلَى الْجُمْلَةِ» فَأَفَادَ بِالتَّشْبِيهِ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ عَطْفِ الْجُمْلَةِ عَلَى الْجُمْلَةِ.

قَالَ الْمُحَقِّقُ عَبْدُ الْحَكِيمِ: وَهَذَا مَا أَهْمَلَهُ السَّكَّاكِيُّ أَيْ فِي أَحْوَالِ الْفَصْلِ وَالْوَصْلِ وَتَفَرَّدَ بِهِ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» .

وَاعْلَمْ أَنَّ الْآيَاتِ السَّابِقَةَ لَمَّا انْتَقَلَ فِيهَا مِنَ الثَّنَاءِ عَلَى الْقُرْآنِ بِذِكْرِ الْمُهْتَدِينَ بِهِ بِنَوْعَيْهِمُ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ إِلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ، وَانْتَقَلَ مِنَ الثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ إِلَى ذِكْرِ أَضْدَادِهِمْ وَهُمُ الْكَافِرُونَ الَّذِينَ أُرِيدَ بِهِمُ الْكَافِرُونَ صَرَاحَةً وَهُمُ الْمُشْرِكُونَ، كَانَ السَّامِعُ قَدْ ظَنَّ أَنَّ الَّذِينَ أَظْهَرُوا الْإِيمَانَ دَاخِلُونَ فِي قَوْلِهِ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [الْبَقَرَة: ٣] فَلَمْ يَكُنِ السَّامِعُ سَائِلًا عَنْ قِسْمٍ آخَرَ وَهُمُ الَّذِينَ أَظْهَرُوا الْإِيمَانَ وَأَبْطَنُوا الشِّرْكَ أَوْ غَيْرَهُ وَهُمُ الْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ هُمُ الْمُرَادُ هُنَا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا [الْبَقَرَة: ١٤] إِلَخْ، لِأَنَّهُ لِغَرَابَتِهِ وَنُدْرَةِ وَصْفِهِ بِحَيْثُ لَا يَخْطُرُ بِالْبَالِ وَجُودُهُ نَاسَبَ

أَنْ يَذْكُرَ أَمْرَهُ لِلسَّامِعِينَ، وَلِذَلِكَ جَاءَ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ مَعْطُوفَةً بِالْوَاوِ إِذْ لَيْسَتِ الْجُمْلَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ مُقْتَضِيَةً لَهَا وَلَا مُثِيرَةً لِمَدْلُولِهَا فِي نُفُوسِ السَّامِعِينَ، بِخِلَافِ جُمْلَةِ: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ [الْبَقَرَة: ٦] تُرِكَ عَطْفُهَا عَلَى الَّتِي قَبْلَهَا لِأَنَّ ذِكْرَ مَضْمُونِهَا بَعْدَ الْمُؤْمِنِينَ كَانَ مُتَرَقِّبًا لِلسَّامِعِ، فَكَانَ السَّامِعُ كَالسَّائِلِ عَنْهُ فَجَاءَ الْفَصْلُ لِلِاسْتِئْنَافِ الْبَيَانِيِّ.

وَقَوْلُهُ: وَمِنَ النَّاسِ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ لَا مَحَالَةَ وَقَدْ يَتَرَاءَى أَنَّ الْإِخْبَارَ بِمِثْلِهِ قَلِيلُ الْجَدْوَى لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ الْمُبْتَدَأُ دَالًّا عَلَى ذَاتٍ مِثْلِهِ، أَوْ مَعْنًى لَا يَكُونُ إِلَّا فِي النَّاسِ كَانَ الْإِخْبَارُ عَنِ الْمُبْتَدَأِ بِأَنَّهُ مِنَ النَّاسِ أَوْ فِي النَّاسِ غَيْرُ مُجْدٍ بِخِلَافِ قَوْلِكَ الْخَضِرُ مِنَ النَّاسِ، أَيْ لَا مِنَ