للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا وَذَلِكَ لَمْ تَتَعَرَّضْ لَهُ هَذِهِ الْآيَةُ، إِذْ لَيْسَ مِنْ غَرَضِ الْمَقَامِ، وَتَعَرَّضَتْ لَهُ آيَات آخري.

[١٠]

[سُورَة الْأَعْرَاف (٧) : آيَة ١٠]

وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ (١٠)

عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ: وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ [الْأَعْرَاف: ٣] فَهَذَا تَذْكِيرٌ لَهُمْ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ وَلِيُّ الْخَلْقِ، لِأَنَّهُ خَالِقُهُمْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، وَخَالِقُ مَا بِهِ عَيْشُهُمُ الَّذِي بِهِ بَقَاءُ وَجُودِهِمْ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ، وَتَوْبِيخٌ عَلَى قِلَّةِ شُكْرِهَا، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ تَذْيِيلُ الْجُمْلَةِ بِقَوْلِهِ: قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ فَإِنَّ النُّفُوسَ الَّتِي لَا يَزْجُرُهَا التَّهْدِيدُ قَدْ تَنْفَعُهَا الذِّكْرَيَاتُ الصَّالِحَةُ، وَقَدْ قَالَ أَحَدُ الْخَوَارِجِ وَطُلِبَ مِنْهُ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى قِتَالِ الْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ وَكَانَ قَدْ أَسْدَى إِلَيْهِ نِعَمًا:

أَأُقَاتِلُ الْحَجَّاجَ عَنْ سُلْطَانِهِ ... بِيَدٍ تُقِرُّ بَأَنَّهَا مَوْلَاتُهُ

وَتَأْكِيدُ الْخَبَرِ بِلَامِ الْقَسَمِ وَقَدِ، الْمُفِيدِ لِلتَّحْقِيقِ، تَنْزِيلٌ لِلَّذِينَ هُمُ الْمَقْصُودُ مِنَ الْخِطَابِ مَنْزِلَةَ مَنْ يُنْكِرُ مَضْمُونَ الْخَبَرِ لِأَنَّهُمْ لَمَّا عَبَدُوا غَيْرَ اللَّهِ كَانَ حَالُهُمْ كَحَالِ مَنْ يُنْكِرُ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي مَكَّنَهُمْ مِنَ الْأَرْضِ، أَوْ كَحَالِ مَنْ يُنْكِرُ وُقُوعَ التَّمْكِينِ مِنْ أَصْلِهِ.

وَالتَّمْكِينُ جَعْلُ الشَّيْءِ فِي مَكَانٍ، وَهُوَ يُطْلَقُ عَلَى الْإِقْدَارِ عَلَى التَّصَرُّفِ، عَلَى سَبِيلِ الْكِنَايَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [٦] وَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ هُنَا فِي مَعْنَاهُ الْكِنَائِيِّ لَا الصَّرِيحِ، أَيْ جَعَلْنَا لَكُمْ قُدْرَةً، أَيْ أَقْدَرْنَاكُمْ عَلَى أُمُورِ الْأَرْضِ وَخَوَّلْنَاكُمُ التَّصَرُّفَ فِي مَخْلُوقَاتِهَا، وَذَلِكَ بِمَا أَوْدَعَ اللَّهُ فِي الْبَشَرِ مِنْ قُوَّةِ الْعَقْلِ وَالتَّفْكِيرِِِ